ولا بد لمن يقرأ العربية أن يتمتع بملكة التكهن ودرجة عالية من القدرة على الاستنتاج، بل والرجم بالغيب؛ فغالبية الأفعال والكلمات تحتمل عدة معان، ولا بد للقارئ أن يختار واحدا منها.
وأود قبل الاسترسال في مقترحاتي أن أعطي نموذجا واضحا لما أعنيه بالتطوير الذي لا يخل باللغة؛ فالفيصل هنا هو المقدرة على فهم العربية بعد التطوير لمن لا يعرفها قبل تطبيق عملية التطوير. فإذا تقرر جعل الأرقام حيادية؛ أي لا هي مذكرة، أو مؤنثة، كما هو الحال في غالبية لغات العالم، فإن من يقرأ أو يسمع بعد ذلك جملة بها رقم لن يعجز عن فهمها. فلو استقر الرأي أن تكون الأرقام مذكرة، فقلنا مثلا: سبع رجال، بدلا من سبعة رجال، لما استعصى فهم ذلك على أي شخص ولو بعد مئات السنين.
وهذا ما أقصده بدقة عن تطوير اللغة، دون الانقطاع عن تراثنا. •••
والقواعد الخاصة باستخدام الأرقام هي مثال للتعقيد الذي لا داعي له. لماذا لا نقول تسع رجال، وتسع نساء، بدلا من تسعة رجال، وتسع نساء؟ لماذا لا نوحد الأرقام حتى نوفر على أنفسنا تعقيدات لم تعد تناسب العصر؟
فالمذيعون في الإذاعة والتلفزيون يبذلون جهدا جهيدا لقراءة الساعة بالعربية الفصحى بالطريقة السليمة، فيقولون مثلا: الساعة الآن الحادية عشرة وخمس وثلاثون دقيقة.
وهناك مثال يضرب للتعبير عن بلاغة اللغة العربية وثرائها، وتميزها عن باقي لغات العالم، لكنني أعتبر هذا المثال دليلا جديدا على ابتعاد العربية عن متطلبات عالم اليوم، وانعزالها في برج عاجي يضاعف من المحنة الثقافية التي يعيشها العالم العربي اليوم.
فيقال إنه لو ذهب رجل إلى آخر وقال له: إني قاتل ابنك، فإنه سيجيبه لماذا؟ وسيحاول أن يثنيه عن قتل ابنه.
أما إذا قال له: إني قاتل ابنك، فمعنى ذلك أنه قتل ابنه بالفعل، وسيكون رد فعل الأب مختلفا تمام الاختلاف.
وواضح طبعا أن الجملتين تكتبان بنفس الحروف بالضبط، والاختلاف الوحيد هو في التشكيل.
فهل مثل هذا نقطة قوة في اللغة؟ أم أنها نقطة ضعف خطيرة؛ لأنها تؤدي إلى الالتباس والغموض، دون أن تكتسب اللغة بسببها بلاغة في التعبير، أو قوة في المعنى.
অজানা পৃষ্ঠা