وظاهرة رفض المساس باللغة العربية هي جزء من ظاهرة أعم أصبحت مسيطرة على المجتمعات العربية.
فقد استشرى منذ الثلث الأخير من القرن العشرين تيار جارف يعتبر كل جديد بدعة مكروهة، ويرى في أي فكر حر متطور محاولة شيطانية لتقليد الغرب، ونبذا للدين والثقافة العربية الأصيلة. ويعتبر أصحاب هذا التيار أن واجبهم المقدس هو الوقوف بالمرصاد في وجه كل من تسول له نفسه الخروج عن قوالب التفكير الجامدة ومحاولة تطوير الموروث والسعي وراء التجديد.
وهذا الاتجاه المحافظ الرافض - من حيث المبدأ - لأي تجديد، موجود منذ فجر التاريخ في كل المجتمعات الإنسانية. وقد أثبت في كتاب «الداء العربي» كم عانى الرسول الكريم
صلى الله عليه وسلم
نفسه من أنصار الجمود الذين وصفهم القرآن قائلا :
وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا (لقمان: 22). •••
وهناك معارك كثيرة في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية وحضارات أخرى، اصطدم فيها الفكر الجديد بحراس الماضي.
ومن أشهر المعارك التي وقعت في تاريخ الأدب العالمي «معركة هرناني»، وهذه التسمية معروفة لكل من يهتم بالأدب العالمي والفرنسي خاصة. وقد نشأت عندما كتب شاعر فرنسا الأشهر فكتور هوجو (1802-1885م) مسرحية باسم هرناني عام 1830م حطم فيها كل القوالب الجامدة التي التزم بها المسرح الفرنسي منذ عصره الذهبي في القرن السابع عشر، وضرب هوجو عرض الحائط بواحد من أسس المسرح الكلاسيكي الأوروبي، وهي قاعدة وحدة المكان والزمان والموضوع، كما خرج عن الوزن الشعري المعروف باسم «ألكساندران» أي «السكندري»، والذي يتكون من اثنتي عشرة وحدة صوتية.
وهاج أنصار القديم، واعتبروا أن هوجو مارق ومحطم للتقاليد التي صنعت مجد فرنسا. وأغرب اتهام وجه إليه آنذاك هو الخروج على تعاليم الديانة المسيحية، والكنيسة الكاثوليكية، حامية التقاليد الراسخة التي استقر عليها المجتمع. وفي يوم افتتاح المسرحية نشبت معركة عنيفة وصلت إلى حد التشابك بالأيدي بين أنصار القديم والجديد.
لكن التطور الذي أحدثه هوجو هو الذي انتصر في النهاية وتحرر المسرح الأوروبي والعالمي من القيود، التي ربما كانت تناسب زمنا من الأزمان لكنها تتصادم مع طبيعة التطور التي استنها الله في الأرض.
অজানা পৃষ্ঠা