وعندما بزغ نور الحضارة الإسلامية أصبحت العربية هي لغة العلم والمعرفة والتفوق في كل المجالات. وكان علماء العالم يضطرون إلى الإلمام بالعربية ليكونوا على معرفة بآخر ما وصل إليه العلم الحديث في ذلك العصر؛ نظرا لأن كل الاكتشافات والبحوث العلمية القيمة كانت تكتب بالعربية. وتماما كما أن علماء العالم اليوم الذين يجهلون الإنجليزية يصبحون متخلفين عن ركب العلم والمعرفة، فإن علماء الماضي كانوا يضطرون اضطرارا لتعلم العربية؛ فكل الاختراعات والأدوات العلمية التي كانت تسهل حياة الإنسان كانت تنطلق من العالم العربي الإسلامي وتصاغ بلغة الضاد.
وبعد عصر النهضة كانت الفرنسية هي لغة المعاهدات ولغة الدبلوماسية خاصة في عصر لويس الرابع عشر (1638-1715م) الذي كان يلقب بالملك أشمس. وقد اتخذ هذا الملك من قصر فرساي مقرا له؛ فأصبحت فرساي عاصمة العالم آنذاك، وصارت الفرنسية لغة تفاهم رئيسية وخاصة في بلاد ملوك أوروبا وفي المحافل الدبلوماسية حتى بداية القرن العشرين. •••
اللغة المسيطرة إذا ليست ظاهرة جديدة لم يعرفها العالم إلا مع الإنجليزية الأمريكية. لكن المؤكد أن وسائل الإعلام الحديثة وانتشار التليفزيون والإنترنت وسهولة الانتقال منحت الإنجليزية فرصة لم تكن متاحة لأي لغة أخرى سيطرت حضارتها على العالم في الماضي؛ فقد كان العارفون باللغة المسيطرة من خارج أصحابها في الماضي، هم شريحة ضئيلة جدا من المتعلمين والمفكرين. أما اليوم فإن معرفة الإنجليزية أصبحت شائعة في الطبقات العليا لكل المجتمعات شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. وأصبح أي مثقف في أي ركن من أركان العالم مطالب بالإلمام بهذه اللغة؛ وإلا فإن ثقافته ستكون محلية ومحدودة.
وإذا كانت الإنجليزية هي اللغة المهيمنة على عالمنا اليوم؛ فإن الفضل في ذلك لا يرجع إلى إنجلترا برغم كونها أم هذه اللغة وموطنها الأصلي، إنما الفضل يعود للولايات المتحدة الأمريكية التي اتخذت الإنجليزية لغة رسمية منذ إنشائها في عام 1776م.
ولأن الولايات المتحدة أصبحت القوة العظمى الأولى في عالم اليوم وصارت رائدة في مجالات العلم والفن والإعلام والصناعة؛ فإن لغتها تصدرت لغات العالم، وأصبحت اللغة المتداولة بين الصفوة، وفي المعاملات الدولية، وفي الندوات السياسية والعلمية والثقافية الدولية. كذلك فإن أهم الأبحاث الطبية والعلمية يتم تداولها بالإنجليزية، وتطبع النشرات والمجلات المتخصصة في كل المجالات العلمية بالإنجليزية الأمريكية، دون غيرها.
وكما نجح الأمريكيون في فرض الدولار كعملة التداول الأساسية في العالم، نجحوا أيضا في جعل لغتهم هي لغة التفاهم الرئيسية في كل المجالات؛ فالعقود الكبرى والاتفاقات الدولية والكتابات العلمية صارت تكتب بالإنجليزية. وقد أصبح من الصعب الآن على أي إنسان يسعى للانفتاح على عالم المعرفة في أي مجال من مجالات الحياة أن يجهل الإنجليزية جهلا تاما.
لكن ما لا يدركه الكثيرون هو أن السطوة اللغوية لا تعني بالضرورة الانتشار؛ فاللغة الإنجليزية برغم مكانتها ليست أكثر لغات العالم تداولا كما هو واضح من الجدول:
نسبة الناطقين بأهم لغات العالم كلغة أم (النسبة بالمائة).
اللغة
العام
অজানা পৃষ্ঠা