فالعالم العربي يكاد يكون كما قلنا الكيان الوحيد الذي يتمرد على إرادة واشنطن، وخاصة في علاقته بإسرائيل. فليس غريبا أن نسمع من يؤكد أن العالم العربي مجرد خرافة ووهم كبير، وأن نسمع من يطالب بنبذ اللغة العربية وجعل اللهجات هي اللغات القومية الرسمية لبلادنا.
وبالتأكيد أن تجارب الوحدة فشلت وستفشل في المستقبل المنظور، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد عالم عربي له مصالح مشتركة ورؤى متقاربة ووجدان متوحد. ومن المؤكد أن اللغة العربية هي العنصر الأساسي في ترابط الوجدان العربي. ولو تركنا هذه اللغة تتحطم فوق صخور عاتية، فإننا نهدم فكرة من أهم أفكار القرن العشرين، وهي وجود عالم عربي واحد له صفات وخصائص متميزة عن باقي الكيانات الثقافية. •••
وأعلم أن الأفكار الواردة بهذا الكتاب ستكون بمثابة صدمة لبعض الذين اعتادوا السير في الطرق المعبدة التي مهدها السلف منذ قرون طويلة، ويسير عليها كل من جاء من بعدهم في حالة استكانة عقلية غريبة.
وأعلم أن بعض من يعتبرون أنفسهم حراس اللغة العربية سينتفضون غضبا من الاقتراحات التي يتضمنها هذا الكتاب. وأعرف مقدما الاتهامات الجاهزة التي ستوجه للأفكار الواردة في هذه الصفحات؛ فثقتي كبيرة في نزعة المزايدة واللعب على وتر الدين والتقاليد والموروث وكل القيم التي نؤمن بها جميعا بنفس الدرجة، لكننا نفهمها من منطلقات متباينة.
وأكاد أسمع من يتساءل عن مدى تخصصي في اللغة العربية، وهي الحجة التي يواجه بها كل من يحاول الخروج عن الطرق المرصوفة والممهدة، والتي أجمعت الأجيال الماضية عليها، لكنها مع هذا لم تعد صالحة لجيلنا الحالي وللأجيال القادمة، إذ إن اللغة كما يقول عميد الأدب العربي هي ملك لكل من يستخدمها.
ومع كل ذلك، فإنني على ثقة تامة من أنه سيأتي اليوم الذي يضطر فيه العرب إلى تبسيط لغتهم حتى لا تواجه أزمة طاحنة تعرضها للخطر. فلماذا لا نبدأ من الآن؟ ألا تكفي القرون التي ضاعت منا هباء؟
وكما قلت فقد تمت عملية تطور عشوائية للغة على أيدي المفكرين والمبدعين من مصر والشام وكل البلدان العربية، وخاصة من خلال الصحافة. ولا ينبغي اليوم أن يحدث أي شطط أو قرارات منفردة بالتطوير من أي بلد عربي، أيا كان، ولا ينبغي أن يتأثر المثقفون وعلماء اللغة بالخلافات السياسية والحزازات بين الحكام؛ فكل هذه الخلافات زائلة، أما اللغة فهي باقية.
فلتنكب الجامعة العربية وذراعها الثقافية المعروفة باسم «أليكسو» على مهمة تقنين التطوير الواقع، وإعادة النظر في أسس القواعد والنحو. ولتشكل الجامعة منتخبا من المجامع اللغوية الخمس الموجودة بالعالم العربي الآن؛ ليضطلع بهذه المهمة الملحة. •••
والمعضلة التي ستواجه الذين يتصدون لمهمة تطوير اللغة تتمثل في ازدواجية الهدف: الاقتراب من اللغة العامية التي تستخدمها الشعوب العربية للتفاهم اليومي، وفي الوقت ذاته عدم القطيعة مع اللغة العربية الأصيلة، لغة القرآن ولغة الأدب التي مارسها العرب خلال القرون الماضية .
وفي النهاية فإن كل ما أطلبه من القارئ الكريم، هو أن يتمهل قبل أن يصدر حكمه على هذا الكتاب، فما جاء به يسير ضد التيار الغالب، وعكس الموقف الذي اتخذه العرب من لغتهم طوال القرون الماضية. وأفهم أن يكون رد الفعل الأول هو الرفض القاطع للفرضيات والاقتراحات التي عرضتها في الصفحات السابقة؛ فقد اعتدنا على خط تفكير معين تربينا عليه وفطرنا على تقديسه وعدم مراجعته أو حتى مناقشته.
অজানা পৃষ্ঠা