فالقافية تطرب حين تأتي من مكانها المتوقع.
وإهمال القافية يصدم السمع بخلاف ما ينتظر حين يفاجأ بالنغمة التي تشذ عن النغمة السابقة.
والمرتبة التي تتوسط بينهما هي التي لا تطرب ولا تصدم، بل تلاقي السمع بين بين، لا إلى التشوق ولا إلى النفور.
فانتظام القافية متعة موسيقية تخف إليها الآذان .
وانقطاع القافية بين بيت وبيت شذوذ يحيد بالسمع عن طريقه الذي اطرد عليه ويلوي به ليا يقبضه ويؤذيه.
إنما المتوسط بين المتعة والإيذاء هو ملاحظة القافية في مقطوعة بعد مقطوعة تتألف من جملة أبيات على استواء في الوزن والعدد، أو هو ملاحظة الازدواج والتسميط، وما إليهما من النغمات التي تتطلبها الآذان في مواقعها، ولو بعد فجوة وانقطاع.
وربما زاد هذا التصرف في متعتنا الموسيقية بالقافية، ولم ينقص منها إلى حد التوسط بين الطرب والإيذاء.
فالأذن تمل النغمة الواحدة حين تتكرر عليها عشرات المرات في قصيدة واحدة، فإذا تجددت القافية على نمط منسوق ذهبت بالملل من التكرار، ونشطت بالسمع إلى الإصغاء الطويل، ولو تمادى عدد الأبيات إلى المئات والألوف.
لهذا لا نحسب أن السنين التي مضت منذ ابتداء التفكير في الشعر المرسل قد مضت على غير طائل.
لأننا عرفنا في هذه الفترة ما نسيغ وما لا نسيغ، فعدل الشعراء عن تجربة الشعر المرسل الذي تختلف قافيته في كل بيت، وجربوا التزام القافية في المقطوعات المتساوية، أو في القصائد المزدوجة والمسمطة وما إليها؛ فإذا هي سائغة وافية بالغرض الذي نقصد إليه من التفكير في الشعر المرسل؛ لأنها تحفظ الموسيقية، وتعين الشاعر على توسيع المعنى والانتقال بالموضوع حيث يشاء.
অজানা পৃষ্ঠা