201

فكانوا يقولون: ولكننا نرى أنهم سينتصرون لأنهم منتصرون ... فأقول لهم: ما هذا برأي، هذا لمس بالعين، هذا ما تبصرونه كما تبصره كل عين حيوانية تفتح أجفانها، وإنما الرأي غير هذا، الرأي ما يبصرك بالانهزام وأنت تنظر إلى النصر الملموس، فإن لم يفدنا الرأي هذه الفائدة فلا خير فيه، ولا حاجة بنا إليه مع وجود العيون والأجفان، إذ حسبنا بالعيون والأجفان أن نفتحها فنلمس بها، ثم لا نفكر ولا نرى خلاف ما تبديه.

وهكذا يبصر الإنسان وجوه الرأي؛ لأنه لا يرى الشيء على حالة واحدة ولا يستوفيه كله في صورة حاضرة.

فهو يبصر وجوه الرأي في الضرب مثلا؛ لأنه يحسه لذيذا في حين ومؤلما في حين، ولا يحسه في بعض الأحايين.

يحسه لذيذا حين يكون هو الضارب، ويحسه مؤلما حين يكون هو المضروب، وليس يحس له لذة ولا ألما حين لا يكون ضاربا ولا مضروبا ولا شأن له في الحالتين.

ومن العسير عليه جدا أن يعرف ما هو الضرب إذا عرفه على وجه واحد، ولم يعرفه على شتى الوجوه.

ومن البعيد جدا ان يراه بالحق إن لم يره بالهوى على اختلافه، فيحبه ويبغضه وينظر إليه بين الحب والبغض، و«يراه» بعد ذلك مستجمعا لجميع هذه الوجوه.

وهذا هو باب الكمال في تعداد الأهواء وتعدد الحكم على العمل الواحد، إذ نعمله نحن وإذ يعمله الخصوم، وإذ يعمله من ليس من الخصوم ولا من الأصدقاء.

وكل صورة من صوره هذه تمام لغيرها، ولا سبيل إلى التمام فيها بغير هذا التعديد.

يقولون في الصعيد: إن نواتيا سمع مضغا قويا في مخزن الخبز الجاف من سفينته، فأشفق من نفاد المئونة في الطريق وصاح مغضبا: من هذا الذي يقضم في الخبز قضم الحمار؟

فقيل له: ابنك حسن!

অজানা পৃষ্ঠা