فامتعض جبور تحت الشباك وكاد يزفر زفرة رنانة لو لم يتذكر الموقف، سمع لقبه القديم فكاد ينشق من الغيظ.
وضاق صدر الأم فأسرعت إلى الشباك ففتحته، فاضطرب جبور، ومشى مفكرا بما سمع، تنبه وحسب عن ظهر قلب ماذا صرف من مال أميركا، وبعد تعبيس دام هنيهة ضحك ضحكة استهزاء وقال: لعن الله الحسد، ما ترك بيتا عامرا، غدا يعرف طنوس أين صار جبور، غدا نكتفه ونفرك رقبته ويزور بيت خالته.
قال هذا وتمشى يتخطر كالأعيان، وأفاق من نجواه على صوت خادمته الراكضة وهي تصيح: يا معلمي، عندك ناس. فانفتل راجعا.
وبعد عبارات المجاملة والترحيب دخل جبور وزائره الموضوع، فأجاب السمسار: مديرية جبيل أمر بسيط، تصير قائمقام كسروان إذا كنت تريد، الواسطة تعمل عجائب، خمسمائة ليرة عثمانية تعمل أكثر من مدير.
فالتفت إليه جبور التفاتة استغراب وقال: السر بيننا، أنا لا أصدق، هذا ضحك على ذقني، مدير بالكد يعلق إمضاه.
فقال الوسيط محتدا: بلى، صدق يا سيدي. ثم ضحك وقال: تريد رئاسة القلم التركي محل ناصيف بك الريس؟ ادفع، يا خواجا جبور أنت فيلسوف، بالنسبة إلى فلان وفلان.
فقال جبور: قالوا ننتظر «حلة». - لا تصدقهم يا سيدي، الحلة عندك، حل عقدة كيسك تنحل ظهورهم.
فأطرق جبور ثم قال: الخمسمائة ليرة حاضرة. ثم حك رأسه وقال: نسيت أن أذكرك بواحدة، أخاف أن يحتجوا أن ابن عمي موظف.
فضحك السمسار بملء فكيه وقال: حيف عليك يا خواجا جبور، ما مت ، ما رأيت من مات؟ تأمل بعينيك عيال بأسرها موظفة، تغيرت الأيام ... الاستحقاق قبل كل شيء، أنت مستحق، أنت رجل ربيت في بلاد العالم، تعرف كيف تحكم، الغربة مدرسة عظيمة.
فزهي جبور وتنفش كالديك على مزبلته، وتذكر هجرته ورفع رأسه بأبهة الموظف الكبير وقال: «سي، سي سنيور.»
অজানা পৃষ্ঠা