71

قال الشيخ: تقول إنها تفنى عندما يحق عليها الفناء، وتحيا إذا استحقت الحياة.

فقال سيف: ولا تملك شيئا من أمرها؟

فقال الشيخ: بل تملك كل أمرها. ليتني أستطيع يا سيف أن أبين لك ما أريد، فإني كلما نطقت بشيء سمعته في أذني غامضا فاترا لا يصور الحقيقة التي أحسها.

فقال سيف بعد صمت لحظة: كأنني أفهم طرفا مما تقول يا سيدي المبجل. وأسأل نفسي: كيف ذهب قومي؟

فقال الشيخ: صدقت يا ولدي، فإن المعاني لا تتجسد إلا في حادثة. وصمت لحظة ثم قال: لك أن تعجب إذا قلت لك إن هذه أول مرة ينصرف فيها فكري إلى سؤالك هذا. كيف ذهب قومنا؟ أهي غضبة من الأقدار؟ هكذا يقول بعض الذين يخادعون أنفسهم ويريدون أن يلقوا ذنبهم على وهم غامض لا يستطيع أن يقول لهم كذبتم. إن للأقدار حكمة كما قلت، ولكنها حكمة نستوحيها نحن من الحوادث، أما الأقدار نفسها فليست شخصا يغضب فيعصف بالناس، أو يرضى فيحابيهم، الأقدار لا تغضب على أحد ولا تحابي أحدا، وهي مثل الدهر الذي يمر علينا فنهرم ونفنى، ومثل الفلك الذي يدور في دوراته، فيطلع النجوم في أوانها ويغيبها في أوانها.

ومع ذلك فإننا نستطيع أن نستوحي حكمتها من الحوادث، أو من أنفسنا.

فقال سيف: أنفسنا؟

فقال الشيخ: نعم يا ولدي. إن في أنفسنا عالما كبيرا لو تمكنا من إدراكه لكان ذلك حسبنا. فينا كل عناصر الضعف وعناصر القوة، فينا الحيوان والحكيم، وفينا الشيطان والملك، أو هو الشر والخير، ولنا أن نختار في سلوكنا ما نشاء في نفوسنا.

فقال سيف: والناس يختارون دائما؛ لأنهم يطيعون طبيعتهم.

فقال الشيخ: وهذه هي التي أسميها حكمة الأقدار، فإذا اختار الناس ما فيهم من ضعف ومن حيوان ومن شيطان حق عليهم الفناء.

অজানা পৃষ্ঠা