ولما كان الرأي العام لا يتحمل أن يرى وزراء الاستبداد في الحكم؛ فلم يكن مناص إذن من أن يتوجه رجال الأدب الذين قادوا الحركة الوطنية، فكان الوزراء الأولون في سنتي 1848-1849 بلا استثناء من الرجال الذين اشتهروا بأقلامهم ولم يكونوا مزودين بثقافة سياسية كافية، أضف إلى ذلك كله أن الموظفين كانوا ضد الثورة، أما الإدارة في طوسكانه وروما ونابولي فكانت خصيمة لكل حدث جديد، وطبيعي أن تسير الثورة التي يتخلى عنها الموظفون وتعاكسها الإدارة في طريق وعر.
الفصل العشرون
بيمونته بعد نوفاره - الارتجاع
1848-1850
لقد كانت نوفاره كارثة عظيمة نزلت ببيمونته وهي على فداحتها ما كانت لتجيز لبيمونته أن تستسلم وأن تترك المملكة تحت رحمة الغالب، فالجيش رغم ما أصابه من الذعر وفتور الهمة كان لا يزال سليما، وكانت فرنسة على أهبة التدخل، ولو اجتازت قواتها الحدود لاضطر راديتسكي إلى الانسحاب مسرعا ليحتمي بالقلاع الأربع، وكانت بيمونته قادرة على إطالة أمد المقاومة وراء ألكسندرية وتورينو، ورغم الغضب والذعر والارتياب من الخيانة فإن الهتاف كان لا يزال يدوي عاليا بتأييد المقاومة واستنكار الخضوع؛ إذ كيف يصح لبيمونته أن تستسلم والعلم المثلث الألوان ما يزال يخفق فوق روما والبندقية وبولونيه وبرسية.
ولما اطلعت تورينو على خبر الانكسار أصدر المجلس النيابي قرارا يدعو فيه إلى التجنيد العام، واستغل الدموقراطيون اسم شارل ألبرت ودعوا الشعب إلى الاستمرار على المعركة التي بدأ بها الملك الوطني، ولكن ذلك كله لم يحل دون عقد الهدنة، ولما علم الناس شروطها التي تتضمن احتلال ألكسندرية مؤقتا وسحب الأسطول الرأسي في البندقية أنكر الحزب القائل بالحرب الهدنة، وعدها المجلس النيابي عملا منافيا للدستور.
أما في جنوة فقد أدى الارتياب من الخيانة إلى الثورة، فباغت أهل جنوة الحصون المحيطة بالمدينة واستطاعوا أن يستولوا عليها بحجة الدفاع عنها ضد الهجوم النمسوي الموهوم، فاعتزمت الوزارة الجديدة التي تولت الحكم في عهد الملك الفتي فيكتور عمانوئيل الثاني أن تضرب أهل جنوة العصاة وساقت عليهم الجند بقيادة لامارمورا، وبعد قتال استمر يومين خضعت المدينة.
ولا ريب في أن هذا العمل بادرة مخزية، تشين بسمعة حكومة بيمونته الجديدة لقد كان بين رجال بيمونته من كان يفكر في إمكان المقاومة، وأنها قد تنتهي بالفوز ولا سيما أن خسائر الجيش كانت قليلة فضلا عن أن الفرقة اللمباردية كانت لا تزال سليمة وقوات مارمورا لم تشترك في القتال إلا في جنوة، وقد يدفع عزم المستميت إلى النصر، ولو أصرت فرنسة على سياسة الحياد ولكن لقاء هذا يقول رأي آخر بأن استئناف الحرب قد تودي البلاد إلى احتلال تورينو وإلى اشتداد الكارثة، ولم تكن بيمونته مستعدة لمواجهة كل هذه الاحتمالات، فالمؤامرات الرجعية تحاك بين الجنود والقرويين والجيش أصبح لا يميل إلى استئناف القتال.
وكانت الحرب بنظر المعتدلين والرجعيين عبارة عن غلطة فاحشة ارتكبها الدموقراطيون، ولم يكن المعتدلون والرجعيون يشعرون بأي عطف نحو الجمهوريين الذين كانوا يجاهدون في روما والبندقية في سبيل شرف إيطالية.
على أن هذا لا يمنع القول بأن المعتدلين كانوا كالدموقراطيين؛ عازمين على أن لا يقبلوا أي شرط يمس بكرامة الأمة، وكانوا يؤمنون - كمنافسيهم - برسالة بيمونته ويحملون لحلفائهم اللمبارديين الشعور الحماسي نفسه، وكانت أكثرية البيمونتيين عازمة على القتال إلى آخر نفس بدلا من الخضوع لشروط مخزية تمس بمستقبل بيمونته، وكان الملك الفتي يمثل - بشخصه - عزيمة الأمة الباسلة، وكان يحقد على النمسة قائلا: «أعطوني أربعين ألفا من الجند؛ أفسخ الهدنة غدا.» ولكنه اعتزم قبول السلم إذا كان شريفا.
অজানা পৃষ্ঠা