وبعد أن تمت الانتخابات البلدية في جو صاخب انحازت المجالس البلدية باستثناء اثنين منها إلى جانب الجمهورية، ولكن الرهبان ظلوا يحرضون الناس على الاستياء وظل الجيش قلقا، وظلت الخيانة تنسف الإدارة، وأخذ البعض من المعتدلين يتآمرون بنشاط.
أما كتلة القرويين فرحبت بالحكومة التي أنقذتهم من ظلم السنانفيديست، أما الطبقة الصناعية وصغار الملاكين الذين أخرجوا أكثر النواب من بين صفوفهم؛ فقد أظهروا صداقتهم للجمهورية، ولا تنس أن أكثر الحرس الوطني وصغار التجار كانوا يحبون الجمهورية لذاتها.
وحينما كسبت الجمهورية عطف أهل روما على الصورة الآنفة الذكر، أخذت الدول الأوروبية تستعد للقضاء عليها، وقد عزم البابا على العودة إلى عاصمته بصفته متبوعا مطلق التصرف يفوق في ذلك جميع أسلافه، وكان أنتونلي يعتمد على الرجعيين في روما وعلى عملائه المنبثين في بعض المناطق ، ووزعت مناشير تطالب بالقضاء على الأحرار، ولكن الحرس الوطني استطاع أن يقمع حركات العصيان التي حدثت في بعض الأنحاء، ولكن اضطرابا أشد خطورة نشب في أطراف «أسكولي» حيث قام أحد الرهبان يحرض القرويين على حرب مقدسة ويدعوهم إلى النهب والحرق، وكان مونتانلي يعتمد خصيصا على أنصار البابا في البلاد الأجنبية وترمي سياسته إلى وضع البابوية تحت حماية الدول الملكية وقد تحاشى جانب فرنسة إلا أن فرنسة لا يمكن تحاشيها وكانت قد اقترحت في 18 شباط احتلال ممتلكات الكنيسة من قبل النمسة وإسبانية ونابولي وفرنسة، فوافقت الدول الملكية الثلاث على هذا الاقتراح فورا، وقد تأهبت إسبانية قبل ذلك لإرسال قوة، وأخذت القطعات النابولية تسرح وتمرح بالقرب من الحدود الجنوبية وتشجع العصاة في أسكولي، أما القائد النمسوي فقد احتل فراره وأخذ يستعد للتقدم نحو «بولونيه».
وظلت فرنسة تؤيد بيمونته في احتجاجها على كل تدخل في شئون إيطالية إلا أن الاتجاه الرجعي المحافظ في فرنسة قيد يد الحكومة، وكان «فاللو» يمثل الكاثوليك المفرطين في الوزارة.
وبينما كان الحزب الجبلي يرسل تحياته إلى الجمهورية الجديدة كان الرأي الفعال في فرنسة يسند فاللو، ومع أن الرأي العام الإفرنسي كان يقول ببقاء السلطة الزمنية من حقوق البابا فإنه في الوقت نفسه كان خصما للنمسة، وقد عجلت أنباء نوفاره في نشاطه، وكان لويس نابليون يريد إعلان الحرب فورا مستندا إلى الحزب الجبلي وحزب الوسط، وكان يرمي من وراء ذلك إلى بلوغ أغراضه الشخصية والحصول على تأييد الكاثوليكيين، وقد استغل الوزراء حماسة الشعب وقرروا احتلال جيفيتا فيكيا وإعادة البابا إلى عاصمة ملكه رغم أهلها ضاربين ببياناتهم السابقة عرض الحائط، وسعوا في الوقت نفسه إلى أخذ تصريح من البابا يؤيد فيه الدستور.
وقد وصلت القوة الموفدة لتنفيذ القرار إلى جيفيتا فيكيا في 24 نيسان بقيادة أودينو، فأصدرت اللجنة الثلاثية الأوامر بمقاومة حركة النزول مهما كلف الأمر، بيد أن المدينة لم تكن في حالة صالحة للمقاومة، ومع أن أودينو حاول الحصول على موافقة المجلس البلدي بمعسول الوعود إلا أنه بمجرد ما أنزل قواته إلى الساحل رفع القناع عن نياته.
ورغم التعليمات الصادرة إليه بأن لا يتقدم نحو روما ما لم يكن واثقا من ترحيب أهلها ومساعدتهم إياه، ولكنه اعتمادا على مزاعم أنصار البابا؛ اعتقد أنه لن يلاقي أي مقاومة فعزم على الزحف على روما، وقد ارتبكت اللجنة الثلاثية والمجلس من هذا الحادث، وكان مازيني وشارل بونابارت لا يزالان يعتمدان على إخلاص الجمهورية الإفرنسية، وكان النواب مترددين في تقرير التفاهم، ولكن حين جاء مندوب أودينو يقول بأن سيده إنما ينوي إعادة البابا إلى عرشه زال كل تردد، واعتزم المجلس المقاومة مهما كلف الأمر وهاج الرأي العام، وطالب بقطع المفاوضات، وغدا لا يحتمل رؤية الجنود الإفرنسيين يجتازون أسوار روما حتى إذا اعترفت فرنسة بالجمهورية، وأصبحت الحرب لا مناص منها وظن أودينو أن الطليان لن يقاتلوا فباشر هجومه في 30 نيسان بغية الاستيلاء على المدينة بالقوة، وكانت قوة كل من الخصمين نحو عشرة آلاف، فحارب الإفرنسيون بشجاعة إلا أنهم استصغروا شأن عددهم فلقوا منه خصما لا يقل عنهم شجاعة، فضلا عن أنه يحارب مؤمنا بقضيته فانكسرت الفرقتان الإفرنسيتان بعد أن خسرتا ألف رجل وولتا الأدبار مسرعتين خشية انقطاع خط الانسحاب عليهما.
وطلب غاريبالدي حينئذ من اللجنة الثلاثية - بإلحاح - موافقتها على مطاردة الخصم، إلا أنها كانت ما تزال تتوقع التفاهم وتخشى عرقلة مساعي الحزب الجبلي الذي يعمل لمصلحتها في باريس، وبذلك لم تنجح لا القوة ولا الخديعة، واقتنعت الحكومة الإفرنسية بأنها خانت المبادئ الجمهورية ولجأت إلى الغدر الذي أسخط عليها السياسيين.
ومع أن «جول فافر» أسقط الحكومة الإفرنسية في المجلس التأسيسي غير أن لويس نابليون كان يعلم أن الانتخابات المقبلة سوف تسفر عن أكثرية عظيمة محافظة تكون بجانبه، وقد جعل من نفسه في لباقة المدافع عن شرف الجيش وكتب إلى أودينو مزدريا بتصويت المجلس وأرسل دي لسبس لمفاوضته حكومة روما.
وفي 30 أيار اتفق مع اللجنة الثلاثية على تفاهم، وعد فيه دي لسبس بالإقلاع عن نية الاحتلال، إلا أنه يرفض الاعتراف بالحكومة الجمهورية، وأوشك أن يتم لولا أن مناورات الحكومة الإفرنسية الخفية جعلت نشوب الحرب ثانية أمرا لا محيد عنه، ولما تمت الانتخابات وجاءت الأكثرية محافظة في جانب لويس نابليون أصبحت الحكومة في موقف تستطيع معه أن ترفع القناع عن نياته.
অজানা পৃষ্ঠা