والواقع أنها كانت تفضل أن لا تشترك الحكومات الأخرى في الكفاح إلا قليلا؛ حتى تحتكر هي ثمرات الانتصار؛ فلذلك كان جواب بنيلي لمونتانلي: «يجب علينا الآن أن نقصر اهتمامنا على موضوع الحرب، لا المجالس التأسيسية.» ولما رأى جيوبرتي أن المفاوضات طالت بلا جدوى قدم اقتراحا جديدا يتضمن الاتفاق على أسس لا يمكن لطوسكانه أن تقبلها، ولما رأى مونتانلي تقلب بيمونته أخذ يسعى لقيام مجلس تأسيسي من قبل طوسكانه وروما من دون انتظار الدول الأخرى.
وكان يأمل هو وجيرازي إمكان اندماج الدولتين المذكورتين في دولة قوية تقوم في المركز بفضل وطنيتهما التي تقل أنانية عن وطنية بيمونته أو نابولي.
وجد مونتانلي أهل روما على استعداد للنظر مبدئيا في اقتراحه، وبينما كانت العناصر المعتدلة والدموقراطية في حالة ضعف في بيمونته كان الدموقراطيون في روما - مثل زملائهم في طوسكانه - هم الفائزين، وقد شل هروب البابا حركة الدولة، وأخذت روما تسير نحو الجمهورية، ولكن روما هذه من دون البابا شيء لا يتصوره العقل، فخروج الأغنياء وفقدان المراسم الدينية قد جردا المدينة من مظاهر أبهتها وبعثا القلق في نفوس سكانها، حتى إنه لما وصل غاريبالدي إليها في شهر كانون الأول لم يلق فيها الحفاوة اللازمة.
وكان قسم من الحرس المدني على استعداد لأن يكون في جانب البابا إذا ارتضى بقيام حكم دستوري، وكانت في الحين ذاته فئة قد اعتزمت أن تعارض أي تفاهم مع البابا، وكانت صحافة المتطوعين والشرطة والقسم الأعظم من الحرس المدني بجانب هذه الفئة وقد أدت الأعمال الرجعية في «جايته» إلى رد فعل نشط دعاية المتطرفين.
وأخذ الشعب يعتنق - بالتدريج - فكرة استقلال جديدة، وأخذ مع ستريني يفضل أن يرى روما عاصمة إيطالية بدلا من أن تكون عاصمة الكثلكة، وأخذ عملاء مونتانلي وغاريبالدي يتظاهرون في الأندية داعين إلى خلع البابا خلعا نهائيا.
وكان مميانتي زعيم الأكثرية في المجلس النيابي، ومع أنه كان يصر على فصل السلطة الزمنية عن السلطة الدينية؛ فإنه لم يكن يوافق على اقتراح يركن إلى تدمير سلطة البابا، وكان زعيما المعارضة «سترييني وكارلو بونابارتة» وطنيين غير متطرفين.
وكانت مقاومة الموظفين الرهبان السلبية قد شلت السلطة الإجرائية، فأخذت ضرورة تأليف حكومة قوية مهما كلف الأمر؛ تبدو للعيان يوما فيوما، وأخذ أنصار البابا ينتهزون الفرصة لإعلان العصيان.
وبينما كانت النمسة تهدد الشمال كان أهل روما أنفسهم لا يدرون أيعدون فرنسة من أصدقائهم أم من أعدائهم، ولما رأت الروماني أن شارل ألبرت لا يشجع حركة الانضمام إلى بيمونته أخذت تطالب بحكومة تهدئ البلاد وتحميها من رجال الإكليروس والنمسويين، وقد قرر المؤتمر الذي اشتركت فيه أندية الروماني تأييد فكرة انتخاب مجلس تأسيسي بالاقتراع العام يبت في مصير الدولة.
وحمل الدموقراطيون هذا الاقتراح إلى روما فتحزبت جمعية «جونتا» له، وبينما كان المجلس على استعداد لأن يقترع ضد الاقتراح قررت الحكومة حل المجلس، وعلى إثر ذلك استقال مميانتي فتألفت وزارة برئاسة الأسقف الدموقراطي موزاريلي، وحاول زوكي الذي لم يعد يثق بالحكومة أن يسوق معه حامية بولونيه إلى «جايته»، فلم يسر معه أكثر من مائة جندي إلى الحدود.
وأظهرت الانتخابات التي جرت في شهر شباط قلة أنصار المعتدلين، وكاد يصبح المجلس مؤلفا من طبقة الزراع والصناع من أهل دويلات الكنيسة لولا وجود مازيني وغاريبالدي وخمسة آخرين، وقد اجتمع النواب في 5 شباط وتباحثوا فورا في القضية الدستورية، وكانوا يترددون في اختيار شكل الحكومة، وكانت فئة صغيرة قد فازت في الانتخابات على أساس برنامج جمهوري، وكانت الوزارة على استعداد دائم لاستدعاء البابا إن رضي بإقصاء أنطونللي وضمن قيام الدستور، وكان مميانتي معارضا للجمهورية لأسباب دستورية من جهة؛ ولأن الجمهورية تقيم عراقيل في سبيل الاتحاد من جهة أخرى.
অজানা পৃষ্ঠা