وقد عظم نفوذ الأندية في جميع المدن الكبيرة، وكان العمال العاطلون والمتطوعون في الطبقة الدنيا لا يزالون يؤلفون عناصر شغب خطيرة، ومع ذلك فإن الدموقراطيين كانوا أكثر تعلقا بالقضية القومية من خصومهم، وكانوا يصرحون بأن الأمراء خانوا الأمة أو أنهم لم يحسنوا إدارتها؛ فلذلك ينبغي قبل الاستمرار في الحرب أن يتولى زمام الملك من يخلص له.
أما في بيمونته فإن هدنة سلسكو قد قضت على وزارة كسالتي، وأصبحت البلاد مدة أسبوع تدار فعلا من قبل حكومتين؛ أي بينما كانت الوزارة لا تريد الاعتراف بالهدنة كان ريفل مندوب الوزارة يعمل للحصول على وساطة الدول الغربية خلافا لأحكام الدستور ، وكان الملك قد أمر قواته بمقاومة كل تقدم من قبل القوات الإفرنسية.
وتقلد بنيلي رئاسة الوزارة فلم يقبل هو أيضا الهدنة وقرر الاستمرار على القتال بمساعدة فرنسة أو بدونها ما لم تنل البلاد صلحا شريفا، وقد اتصل بالهنغاريين والسلافيين المستائين وشجع تشكيلات اللاجئين اللمبارديين وطلب إلى غاريبالدي أن يستعد، وكان يأمل بأن تؤدي وساطة فرنسة وإنجلترة الودية إلى الحصول على سلم يرضي الوطنيين، وكان قرار الحكومة الإفرنسية أن لا تشترك بالحرب ما دامت النمسة لا تجتاز نهر تسينا؛ ولذلك فإنها لم تأبه للثمن الذي تدفعه بيمونته لقاء الحصول على السلم.
أما بالمرستون فكان يظن أن النمسة ستتخلى عن لمبارديه؛ ولذلك فإنه طلب إلى حكومة تورينو بأن تصرف النظر عن فنيسيه؛ ففعلت، رغم تأنيب الضمير، أما النمسة فقد غرتها الانتصارات وعزمت على أن لا تتخلى عن أي أرض، مع استعدادها لأن تمنح القطرين نوعا من الحكم الذاتي، ودستورا، وقد توافق على أن تأخذ بيمونته دوقية بارمه، أما الحكومة الإفرنسية فبعد تهديداتها التي لا طائل ورائها؛ وافقت على شروط النمسة، وسار بالمرستون إلى حد أبعد من تهديدات فرنسة وأمطر فينا بالموعظات ولكن النمسويين لم يتزحزحوا عن موقفهم.
وكان من تأثير فشل المباحثات أن تقوى حزب الحرب في بيمونته، وأخذ راديتسكي يعذب اللمبارديين باستبداد لا هوادة فيه، ويروى عن روفل المندوب أن قال بأن مملكة إيطالية في الشمال حلم خلاب، وأن بيمونته يجب أن تهتم بنفسها، ونشبت في شهر تشرين الأول ثورة ثانية في فينا، وتخلت الشعوب الإمبراطورية عن نصرة الإمبراطور ما عدا الخرواتيين، فنشطت بذلك آمال بيمونته من جديد، وكان جيشها قد زاد عدده وبلغ خمسين ألفا، وكانت مظاهرات الرأي العام في الأندية والصحافة تساعد جيوبرتي ورتازي في هجومها الصاخب، وكان للمبارديين اللاجئين البالغ عددهم خمسة وعشرين ألفا تأثير نافذ في هذه الدعاية.
أما مدينة جنوة فكانت في شبه ثورة حتى إن الملك نفسه أصبح يتشوق إلى الحرب، فاجتمع بالمتطرفين خلسة، وتآمر معهم على قلب وزارته وتبديلها بوزارة حرب دموقراطية يدخل فيها مانين وبروفيرو، وأخذت الحماسة للحرب تشتد يوما فيوما في بيمونته، وقد حاول بنيلي عبثا تسكينها بتجنيد اثني عشر ألفا من جديد، ولما اقترع المجلس النيابي ضده؛ استقال في أوائل شهر كانون الأول، فاضطر الملك إلى دعوة جيوبرتي.
وكانت طوسكانه أيضا ساحة نزاع بين المعتدلين والدموقراطيين، وما أسرع ما خفت الحماسة للحرب، فاستغل الإكليروس رسالة البابا العامة بمهارة، أما القرويون فانصرفوا إلى موقفهم التحفظي الطبيعي خوفا من التجنيد ومن الضرائب الثقيلة، وكان ريدولفي قد تولى الوزارة في شهر حزيران، وكانت وزارته خليطا من المعتدلين والرجعيين، ولكن كفة الأخيرين هي الراجحة بسبب ممارستهم شئون الدولة مدة طويلة.
ولما كان المجلس يقضي وقته في المعاتبة؛ فإن السلطة الفعلية غدت بيد الدموقراطيين، وكانت الأحوال تدل على أن الدولة سائرة نحو الفوضى، وقد انهار اتحاد الشعب عقيب وصول أخبار كوستوزه، ولما استقالت الوزارة عين الدوق الكبير «ريكاسولي» لرئاسة الوزارة، وكان ريكاسولي هذا متهما دون حق بأنه يرغب في إدماج طوسكانه في بيمونته، من أجل ذلك رفضت الفروع المعتدلة الأخرى التفاهم معه، فظلت البلاد من دون وزارة نحو ثلاثة أسابيع إلى أن استطاع «كابوني» أن يؤلف بين الجماعتين المعتدلتين.
وكان كابوني هذا يمت إلى أشراف فلورنسة، ويتمتع باحترام الجميع رغم تردده، وقد وعد بالاستمرار على الحرب إذا فشلت مفاوضات الصلح، وبذل بعض الجهود لتقوية الجيش، وسعى لعقد اتفاق مع روما وبيمونته، إلا أن القلاقل جعلته ينصرف إلى الأمور الداخلية، وقد استمر القلق والخوف من احتمال احتلال النمسويين، وقد ملأ البلاد الجند الفاقد لمعنوياته والمتطوعون المسرحون والعمال العاطلون، وأخذ الرهبان والأشراف يثيرون الفتن في المناطق الريفية، وسار المتطوعون والمعلمون يلقون الخطب في الأندية لإثارة الحرب الشعبية.
وقد أصدرت الوزارة قانون القمع، وأغلقت الأندية مما أدى إلى سكون مؤقت في البلاد ما عدا ليفرونة، وكانت الثورة قد نشبت فيها إثر شيوع أخبار كوستوزه، وكان كابوني قد تولى الحكم بعد عدة أيام من ذلك، فأوقف «حفازي» الذي عاد إلى البلد رغم صدور الأمر بطرده منها، فثار الشعب وقطع خطوط السكة الحديدية واستولى على مخازن السلاح.
অজানা পৃষ্ঠা