أما الطبقة الوسطى فأصبحت تخشى الحركة الاشتراكية، وزادت مشقة القرويين في الحصول على المعيشة، وانتهز الرجعيون الفرصة وأخذوا يبثون نغمة البابا، أما الدمقراطيون فكانوا منصرفين إلى القضايا الاجتماعية أكثر من انصرافهم للحرب.
واستقالت الوزارة وتألفت وزارة أخرى اشترك فيها جيوبرتي، إلا أن البيمونتيين لم يتحمسوا لوزارة تمثل أقطار إيطالية الشمالية فيكون للمبارديين وأهل جنوة الأكثرية فيها، وأرسل جيوبرتي إلى فلورنسة وروما ليستميل البابا والدوق الكبير إلى جانب شارل ألبرت والقضية العامة.
ومهما كانت بلادة رجال الدولة فإنه كان في مقدور البيمونتيين الاستمرار على النضال في عناد وثبات، ولولا عجز القيادة لكان من المحتمل أن ينالوا الظفر، ووردت أخيرا النجدات للجيش النمسوي فأصبح تفوقه عظيما، أما الملك فشتت جيشه على جبهة طويلة حتى أصبح ضعيفا في كل مكان إلى أن خسر معركة «كستوزه» التي جرت في 25 تموز، وانسحب باتجاه ميلانو.
وقد تألفت لجنة للأمن العام في تلك المدينة أخذت على عاتقها تبعة الدفاع عن المدينة، وبذلت جهودا كبيرة فجمعت المال والذخيرة، وجندت خلقا كبيرا من الحرس الأهلي، وقد أظهر أهل المدينة الهمة والنشاط اللذين أظهروهما في الأيام الخمسة، ووصل الجيش البيمونتي إلى المدينة في 3 آب، وكان أول عمل قام به الملك أن ألغى اللجنة وبذلك جلب سخط المدينة.
ولما وصل النمسويون بعدد كبير إلى المدينة، وكان غاريبالدي قد قدم نفسه ومتطوعيه للخدمة إلا أن الملك رفض ذلك، وكان غريبالدي قد جمع ما يقارب خمسة وعشرين ألفا من الرجال من برغامة وبريسيه، وبدلا من أن يقرر الملك الدفاع عن المدينة فإنه أرسل رسله للمذاكرة مع راديتسكي حول تسليم المدينة، ولما شاع هذا الخبر هاج الشعب وماج وهرع إلى القصر الذي يسكن الملك فيه؛ محتجا على عمله هذا.
وقد أضاع الملك قواه المادية والأدبية، وبلغ به العمر إلى درجة أمسى معها خاضعا لكل تأثير، مع أنه وعد بأنه يسفك آخر نقطة من دمه للدفاع، فقد وافق بعد بضع ساعات على نتيجة المباحثات، وفي مساء يوم 6 آب رضي بتسليم المدينة، وأعلن ذلك على الناس فاندفعت الجماهير نحو القصر ترغي وتزيد، حتى إنها أطلقت النار عليه واستعدت لحرق أبوابه، فأخلى الجيش البيمونتي المدينة في الليل، وتركها لرحمة القائد راديتسكي.
الفصل الرابع عشر
معتدلون ودموقراطيون
أيار-كانون الثاني سنة 1848
لقد كان تأثير الانكسار في بيمونته رائعا، وقد فقدت الوزارة الجديدة كل نفوذ، وأصبحت البلاد منهوكة القوى ولا أمل في استمرار الحرب إلا بمحالفة فرنسة، وقد بوشر فعلا بالمذكرة مع باريس، وكان راديتسكي يهدد الحدود، وخشي المحافظون الملكيون من قدوم جيش جمهوري من فرنسة، فتحمل شارل ألبرت مسئولية العمل وخول الجنرال «سلاسكو» التوقيع على الهدنة في 9 آب لستة أسابيع، ولم تقض شروط الهدنة بإخلاء «بشييره» فحسب بل إخلاء دوقية فنيسيه كلها، فما كان من أهل بيمونته إلا أن رفضوا بأجمعهم هذه الشروط التي تعني التخلي عن القضية القومية إلى حين، وقد اتفقت الأحزاب على الترحيب باللاجئين اللمبارديين والاستعداد للحركة القادمة.
অজানা পৃষ্ঠা