وبالجملة فإنه كان نبيلا، جسورا مثقفا طويل الأناة، لا ينفعل بسرعة حتى قال عنه «كويدن» إنه أقدر رجل عرفه، متحليا بعقل سليم، ومن البديهي أن ينضم إلى الحركة القومية المعتدلة، وكان كافور لا يثق بالبابا المصلح، وسرعان ما آمن بعقيدة بالبو التي تقول بزعامة بيمونته.
ومع أنه خاصم الدمقراطيين في الجمعية الزراعية فإن أنظاره كانت تمتد إلى أبعد من نطاق مدرسة المعتدلين الضيقة؛ فسعى جاهدا إلى تأسيس حزب جديد، يفتح أبوابه لكل من يحارب في سبيل الاستقلال القومي تحت راية آل صافويه، وكان يعلم - بثاقب فكره - أن الدستور ضروري جدا؛ لتأمين حكومة صالحة تفسح المجال للطموح الظاهر كطموحه.
وسرعان ما حانت الفرصة المناسبة، عقيب عودة الملك من جنوة، أدى جزع الناس إلى هياج جديد فاشتدت النقمة على اليسوعيين مما جعل المجلس البلدي يلتمس من الحكومة الموافقة على تأسيس حرس مدني لصيانة الأمن، وقد عزز هذا الطلب بالتماس آخر موقع بتواقيع كثيرة، واجتمع محررو الصحف الكبيرة في تورينو ب «كافور وفاليريو وجياكومو دوراندو وبروفيريو» للبحث في أفضل الطرق لتأييد هذا الطلب، واقترح كافور على المجتمعين المطالبة بالدستور، ومع أن الأعضاء لم يتفقوا على هذا الاقتراح، إلا أن قرار الاجتماع أوضح القضية، وبدا أنه في أول فرصة مناسبة سمع صرخة مدوية في سبيل الدستور.
ودلت الأحوال على أن أول مطالبة قوية مؤثرة قد حصلت في الجنوب، فنابولي كانت من الوجهة النظرية تملك الشيء الكثير مما تطالب به الدول الإيطالية الأخرى، ومع ذلك فلم يكن هناك أمل في أن تدخل النظريات في ساحة العمل ما لم يراقب البرلمان السلطة الإجرائية.
وكانت الأيام قد قوت شهوة الملك للحكم المطلق وزادت في استبداده شكوكه حتى إن اعتبر المعتدلين والديموقراطيين والأشراف والطبقة الوسطى والنابوليين والصقليين خصومه على السواء.
وقد نشر أحد الحقوقيين الشبان «ستمبريني» في شهر تموز الماضي رسالة بعنوان: احتجاج شعب الصقليين «نابولي وصقلية»، وصف فيها الاستبداد وصفا دقيقا قضى على الخرافة القائلة إن نابولي تتمتع بمؤسسات سياسية جيدة، وختم رسالته بالعبارة الآتية: «إن العلاج الوحيد هو السلاح.» وبما أنه قد عبر برسالته عن الشعور العام؛ فإن دعوته إلى الثورة لقيت آذانا صاغية.
وحيث إن اللجنة الثورية في كلبريه قد حاولت - عبثا - أن تجلب أحرار نابولي وصقلية إلى جانبها في سبيل التحرر؛ لذلك قررت أن تعمل وحدها، وفي 1 أيلول شقت رجيو ومسينة عصا الطاعة، إلا أن الحكومة سريعا ما قضت على الحركة وأعدمت حياة سبعة وأربعين رجلا، وكان من تأثير هذا العمل الظالم أن اشتدت المطالبة بالدستور.
وبينما كان الراديكاليون ينزعون إلى القتال للحصول على الدستور كان المعتدلون يأملون أن يوافق الملك على منح الدستور خوفا أو طموحا، وكانوا يرغبون في دستور يقضي بوجود مجلسين، وكان الملك قد تأثر من الاجتماع الذي تم بينه وبين من يمثلون الأحرار ويتكلمون بلسانهم بعد أن لوح له هؤلاء بتاج إيطالية.
وبينما كان أهل نابولي يترقبون مجرى الأمور في غير نشاط قرر أهل صقلية الحركة فوحد «كريسبي» أحد الحقوقيين الشبان حركة التآمر في الجزيرة وفي الساحل، وقد اضطرت لجنة نابولي - شاءت أم أبت - إلى الموافقة على الثورة بالاشتراك مع الصقليين في بداية السنة، فتثور مدينة باليرمو أولا مطالبة بدستور 1812 وبالحكم الذاتي ثم تثور نابولي بعدها لأخذ الدستور نفسه معدلا بعض التعديل.
وبينما كان الناس في باليرمو ينتظرون - بهدوء - شارة إعلان الثورة وإذ بالجمهور يتنكب السلاح ويهاجم الجنود صباحا، ثم انضم القرويون إلى المهاجمين، واشتد القتال في الطرقات واستمر ثمانية أيام كانت فيها الحامية في موقف حرج.
অজানা পৃষ্ঠা