الفصل الخامس
مملكة نابولي وصقلية
كانت مملكة نابولي وصقلية أو الصقليتين بالاصطلاح السياسي؛ تقاس بثلاثة أثمان شبه الجزيرة، وتمتاز عن غيرها من الدول الإيطالية بموقعها الجغرافي وبالبغض الشديد بين النابوليين والصقليين، وكان هذان البلدان اللذان وحد بينهما اضطهاد الحكومة المشترك؛ يختلف الواحد عن الآخر في التقاليد والميول، ولا تشابه بينهما مطلقا في السجايا وفي الحالة الاجتماعية، ولما عاد الملك إلى نابولي من صقلية سنة 1799 بعد أن التجأ إليها راح ينتقم من الرعية، وحينما انتصر الإفرنسيون عاد الملك إلى منفاه في صقلية بحماية السلاح البريطاني فدخلت نابولي في الحكم الإفرنسي في عهد يوسف بونابرت أولا وفي عهد مورات أخيرا.
وقد ألغى الإفرنسيون النظام الإقطاعي وبيع الكثير من أملاك الكنيسة الواسعة أو أجر، وقسمت الأراضي في الناحيات أقساما صغيرة وأجرت للفقراء من الأهلين، واشترى صغار الملاكين أرضين واسعة، حتى بلغ عدد الملاكين للأرض نحو المليون؛ أي نحو خمس السكان.
وفضلا عن أن مورات أنقذ نابولي من النظام الإقطاعي، فقد جهزها بقوانين إصلاحية ومالية منتظمة، وأدخل فيها طريقة استملاك الأرض بصورة مستقرة، ورغم أن أكثر الأمور عادت بعد مؤتمر فينا إلى حالتها القديمة؛ فإن القانون والكنيسة والأرض ظلت - نظريا على الأقل - متفقة والقرون الحديثة، إلا أن الفساد نفسه كان يسود دائما في كل شعبة من شعبات الإدارة.
وكان القانون المدني لنابولي أرقى في إيطالية كلها، وكانت المحاكم مفتوحة لمن يشاء من الناس ليتقاضى أمامها، وكانت طريقتا جزاء النقدي وتخلية المتهم بالكفالة مرعيتين، وللمتهم أن يختار محاميا له ولكن التحكيم كان - عمليا - هو القانون الوحيد في أكثر الأحيان، وكان البلاط يتدخل لحماية المحسوبين عليه أو لاضطهاد الأحرار.
وكانت الشرطة ذات صلاحية لمحاكمة المتهمين تبعا لأصول محاكماتها السرية وغير الشرعية، ولها أن تخلي سبيل المحكومين أو أن تبقي المتهمين في السجن رغم أن المحاكم برأت ساحتهم، وقد تجلد المسجونين، وكانت الحكومة تغض النظر عن تعذيبهم، زد على ذلك أنها تشجع الشرطة عليه، وقد يقع القتل في رابعة النهار ولا يعاقب القاتل إذا كان له أصدقاء أقوياء.
وكان لكل إيالة مجلس تعين الحكومة أعضاءه، وله صلاحية فرض الضرائب والقيام بالأمور النافعة والإشراف على الطرق الكبيرة وشئون الجمعيات العامة ومراقبة الموظفين، واقتراح الإصلاحات الإدارية، ومناقشة القضايا الخاصة بمصلحة الدولة العامة، أما مجالس المديريات فكانت تشرف على الطرق القروية والمدارس الأولية وتلقيح الأولاد واللقاط والقيام بمعيشتهم، بيد أن هذا البيان مهما كان قويا من حيث المبدأ؛ فإن فساد الحكومة واستبداد الرؤساء المحليين الصغار كفيلان بتقويضه.
وكان التصويت لانتخاب أعضاء مجلس الناحية لا يمثل غالبا إلا أوامر السيد الإقطاعي القديم الذي كان عملاؤه ينهبون أموال المديرية ويتلفون غاباتها بالاتفاق مع الموظفين على حسابه.
أما في التعليم فهناك هوة سحيقة بين القول والعمل، فالقانون يحتم على كل مديرية - ما عدا الصغيرة جدا - أن تكون لها مدرسة أولية، وعلى كل ولاية أن تكون فيها مدرسة ثانوية بيد أنه لم يبذل أي جهد في سبيل حضور التلاميذ إليها، ولا توجد في مدينة نابولي نفسها سوى أربع مدارس مجانية، ولا يؤمها أكثر من ثلث الذين هم في سن التعليم .
অজানা পৃষ্ঠা