تلك كانت خلاصة آراء كافور في حل قضية روما، وكان يعلم بأن الرأي العام لا يقابل مقترحاته هذه بادئ الأمر بالاستحسان، ولعل الرأي العام - ولا سيما في بيمونته ونابولي وصقلية - يعارض التخلي عن الحقوق التي اكتسبها من الكنيسة ، إلا أن كافور كان موقنا بقدرته على إقناع المعارضين العلمانيين، وقد قال: «إن انفصال الكنيسة من الدولة سوف يكون أمرا واقعا، يوافق عليه جميع الأحزاب في الجيل القادم.»
وقد استطاع أن يبدد شكوك الجماعات البارزة من العلمانيين، وأن يضعهم إلى جانبه في الأخذ بمشروعه، كما أن الإكليروس الحر صرح بأن هذا المشروع يفتح عهدا جديدا للكنيسة وأن في الحياة الموعودة ما هو أثمن من ضياع السلطة الزمنية، وأوشك كافور بسمعته ومزايا مشروعه أن يوفق إلى استمالة البرلمان والشعب نحو المشروع، وسبق أن حاول كافور استمالة البلاط البابوي إليه، وبعد أن اطلع بنجيتي على مشروعه أرسل تاجلية وبانتالتوني أحد الدكاترة من أهل روما بمهمة غير رسمية إلى الكرادلة الأحرار، وكان اثنان من الكرادلة قد رحبا بالمشروع ترحيبا حارا، أما الآخرون فأظهروا عطفهم عليه وأخيرا بسط أحد المظاهرين للمشروع تفاصيله أمام أنتونللي والبابا، ويلوح أن البابا وافق عليه.
أما أنتونللي فبعد أن بذل آخر جهد لإقناع النمسة بمهاجمة بيمونته تظاهر بتأييده للمشروع، وسرعان ما شرع كافور بمفاوضته رأسا وقدم إليه مقترحات مغرية ويكاد يكون مؤكدا أنه قدم مبلغا كبيرا من المال إلى أنتونللي فلم يرفضه، ومن جملة المقترحات التي عرضها أن يتمتع الكرادلة بالامتيازات التي يتمتع بها الأمراء أصلا ويدخلون في مجلس الأعيان.
وحين قبل أنتونلي الأسس التي اقترحها كافور مال إلى قبولها تسعة كرادلة آخرون ربما خافوا من خطر الانشقاق، أما البابا فكان لا يثبت على رأي لكنه قبل بها أخيرا مكرها؛ لأن قلعة جايته استسلمت، وأدرك أن مساعدة النمسة أصبحت بعيدة المنال، وتقدمت المفاوضات كثيرا ثم اعترضها بغتة عائق، وبعد أن اضطر كافور إلى أن يتساهل مرة أخرى في مفاوضاته عاد فقطعها في آخر شهر شباط.
ومن المؤكد أن أنتونللي كان في أوائل آذار يعمل مع إسبانيا والحصول على تدخل الدول الكاثوليكية، وكان اليسوعيون - في الحين ذاته - يبذلون جهدهم لإثارة البابا ضد أي مشروع للتفاهم فضاع كل رجاء في النجاح، وترأس أنتونللي المعارضة وطرد بانتالئوني من روما.
ولو نجحت تلك المفاوضات لكانت الكنيسة قد أثبتت صداقتها للدولة ولكانت الكنيسة والدولة قد كسبتا شيئا كثيرا في بعض النواحي ولتزايدت سطوة الكنيسة؛ لأن العقد كان يضمن للكنيسة حياد الأشخاص ذوي النفوذ البالغ في البلاط أو أنه يكسب الكنيسة صداقتهم، وكان البابا قد جعل منهم أخصاما له، ومع أن نفوذ الإكليروس بين القرويين وأهالي الجنوب الجاهلين قد يصبح خطرا، إلا أن من شأن التعاقد أن يصون إيطالية من معظم التوتر الذي حدث بعد ذلك بين الفاتيكان وقصر الكيرنال (بلاط ملك إيطالية في روما) وأن يزيد في استقرار الدولة باشتراك الكاثوليك الأقحاح من الأهلين في شئون الدولة اشتراكا عمليا.
بيد أن كافور أدرك أخيرا أنه لا يمكن إنجاز تلك السياسة في ذلك الوقت فانصرف إلى حل آخر إذا كان أقل كمالا فهو عملي ممكن التنفيذ؛ إذ تبين له أن الإمبراطور نابليون الثالث قد اعتزم أخيرا على سحب جنوده من روما؛ لأنه كان يتذمر من كون روما أصبحت ملجأ لأعدائه كما أخذ يعتمد على مساعدة الأحرار في فرنسة، وهدد الأساقفة الإفرنسيين وألغى الجمعيات المؤسسة لجمع المال للبابا.
ثم أخبر كافور في منتصف نيسان بأنه سوف يسحب الجنود من روما، على أن تتعهد الحكومة الإيطالية بصيانة أراضي البابا الحالية من كل تعد، ولسوف يتسنى للبابا بأن يجهز جيشا خاصا به، إلا أنه إذا استطاع الرومانيون في ظرف بضعة أشهر أن يقلبوا حكومتهم وأن ينضموا إلى إيطالية بالاقتراع العام فإن فيكتور عمانوئيل يستطيع إذ ذاك أن يذهب إلى روما، ولكن ينبغي له أن يذهب إليها بدعوة الأهلين لا غازيا، لقد كان من حق الرومانيين أن تكون لهم حكومة صالحة طبيعيا، أما حجة الكاثوليك في التدخل في شئون روما فكانت واهية؛ فحين كانت إيطالية والعالم الكاثوليكي يهتمان كل الاهتمام بمصائر روما كانت سبعمائة ألف نسمة - وهم مجموع رعايا البابا - لا يستطيعون أن
وكان معلوما أن الرومانيين إذا ثاروا فسيقترعون بفكرة الانضمام، وكان هذا التدبير الوسيلة التي تنجي الإمبراطور من تبعاته .
أما كافور فكان لا يتوقع بأن ينجح الرومانيون في ثورتهم وأدرك صعوبة إمالة الرأي العام إلى مثل هذا المشروع، وكان موقنا بأن البرلمان والرأي العام سرعان ما يستنكران اتفاقا يرمي إلى أن يجعل إيطالية حارسة للسلطة الزمنية، أما الغاريبالديون فسيبذلون قصاراهم لخرق ذلك الاتفاق، بيد أن كافور فضل مواجهة غضب الشعب على التخلي عن الحلف الإفرنسي ورفض تكاليف الإمبراطور، فقرر الملك ومنجيني - وبعد كثير من التردد - ريكاسولي معاضدته، فاستعد كافور للتوقيع على الاتفاق إذا اعترف الإمبراطور رسميا بتأسيس المملكة الإيطالية، واستعمل نفوذه في إقناع البابا باستئناف المفاوضات المنقطعة، وقد تعذر في باريس قبل العاشر من مارس تخلية رومة من الجند الإفرنسي في نهاية حزيران.
অজানা পৃষ্ঠা