ولقد أصبح لدى أنتونللي في نهاية آذار خمسة عشر ألفا من المتطوعين ما عدا خمسة آلاف هم قوام الجيش البابوي المنظم، وإذا أضفنا إليهم الحامية الإفرنسية في روما، ونظرنا بعين الاعتبار إلى وجود جيش نابولي في الخط الثاني؛ أدركنا تحشيد قوة كافية في أومبريه والمارك للدفاع عنهما، وقد توقع أن يسترد بهذه القوات الروماني أيضا، واختار أنتونللي القائد الإفرنسي الجنرال «لاموسيير» قائدا للقوات وكان هذا القائد قد ترك فرنسة على إثر الانقلاب الحكومي فيها، وأصبح الآن البطل المكافح عن البابوية.
وصمم القوميون على أن لا يتركوا أومبريه والمارك رغم خصومة العالم الكاثوليكي ونقمته وهم لم ينسوا حادثة بيروزه الفظيعة، أما الحكومة البيمونتية فقابلت أعمال أنتونللي بإنزال الضربة على الأساقفة المعارضين، وتهدد قسم كبير من البيمونتيين بعدم حضور القداس.
وأما الأحرار الكاثوليك المتدينون الذين كانوا يدركون الخطر؛ فكانوا يرون أن الدواء في انهيار السلطة الزمنية، فلا توجد - في نظرهم - أية مغالطة تستطيع أن تخفي بطلان الأسباب التي يستند إليها في إثبات مشروعية استقلال البابا بينما يقوم عرشه على حراب فرنسة، وبينما هو نفسه يستند إلى النمسة لحمايته الخاصة ضد رعيته.
وأخذ الناس يشعرون بأن البابا لا يريد الإصلاح ولا يستطيع أن يعمل به، ولن يرضى بقيام المؤسسات التمثيلية ولا بحرية الصحافة ولا بالمدارس العلمانية ولا بالمساواة بين الإكليروس والمدنيين أمام القانون، وأدرك القوميون في إيطالية بأنه ما دامت روما تغدو عشا للدسائس للأمراء المخلوعين؛ فإن أنتونللي لا بد من أن يسعى لجر الإكليروس إلى مؤامرة واسعة النطاق ضد حرية إيطالية واستقلالها، وبذلك تكون السلطة الزمنية خطرا دائما على المملكة الجديدة، فما لم يسرح البابا متطوعة، وما لم تصبح روما عاصمة إيطالية فإن خطر الحرب الأهلية التي يثيرها التعصب الديني متوقع في كل لحظة.
ولم يكن هدف القوميين في ذلك الحين يتعدى الاستيلاء على أومبريه والمارك، ولم يفكر أحد بالاصطدام بالحامية الإفرنسية المرابطة في روما إلا بعض المتطرفين، وكانت أكثرية الرعية البابوية تنتظر التخلص من حكومة البابا بفارغ الصبر، ولم يكن القوميون في الخارج أقل تلهفا على إنقاذ مواطنيهم وقد سخط المعتدلون من أمثال كانوثي ودازجيلو سخطا عظيما من هذا النوع الجديد من التدخل في الشئون الإيطالية من قبل جماهير الأفاقين من متعصبة الكاثوليك، وقد قال ريكاسولي: «إننا إذا هوجمنا سنعرف كيف ندافع عن أنفسنا، ونغدو بعد ذلك مهاجمين.»
واتصل باللجان الوطنية في أومبريه اتصالا وثيقا حاثا إياها على التأهب للثورة؛ طالما توعز الحكومة بإسعار نارها.
وفي 7 شباط كتب فكتور عمانوئيل إلى البابا كتابا طلب إليه فيه أن يمنحه سلطة الحكم ليس على الروماني فحسب، بل على الإيالتين الأخريين نيابة عنه، مؤكدا له في الوقت نفسه إخلاصه للكنيسة، بيد أن هذا النداء لم يلق أذنا صاغية لدى البابا، ومع أن الملك بعد الاقتراح كتب مرة للبابا عارضا عليه - لمصلحة السلم - الاعتراف بسيادة البابا الاسمية على الروماني من دون أن يذكر الإيالتين الأخريين؛ فإن أنتونللي رفض كل مفاوضة رفضا باتا، وكان كافور وحده - من دون الجميع - يتوقع بعض الخير من هذه المفاوضات.
وقبل أن يصل رفض أنتونللي البات كان قد سعى لحمل نابليون على الاستعجال في سحب جنوده، والآن بعد أن امتنع البابا عن القيام بأي إصلاحات؛ فإن الإمبراطور لم يرض أن تصبح روما عشا للدسائس؛ فلذلك اتخذ تدابير شديدة ضد الصحافة الكاثوليكية الإفرنسية، وتهدد البابا بسحب جنوده إذا هو لم يقبل نصائحه.
واقترح في شهر نيسان بتبديل جنوده بجنود نابليون، ولما رفض الملك نابولي هذا الاقتراح؛ خشية أن يؤدي إلى حرب بيمونتي ونابولي؛ عاد الإمبراطور فاقترح تأليف جيش أهلي يكفي للدفاع، وأغرى البابا بقبول الفكرة بقوله بوجوب دفع الدول الكاثوليكية نفقات هذا الجيش للبابوية، وحينئذ ينسحب الإفرنسيون.
وما أسرع ما يقبل أنتونللي الذي كان يكره الحماية الإفرنسية هذا التكليف بشوق ورغبة، وقد وافقت النمسة ونابولي وإسبانية على الاقتراح، وكان البابا والقائد لامارسيلير يرغبان في الاحتفاظ بالإفرنسيين في روما وترك الكتائب الأهلية والمتطوعين طليقي اليد في الحركة ضد الروماني، ولكن ممثل الإمبراطور في روما توفق إلى عقد اتفاقية تضمن انسحاب الإفرنسيين في 1 تموز، ثم حدثت حوادث حالت دون تنفيذ هذه الاتفاقية.
অজানা পৃষ্ঠা