وقد عاضدت فرنسة وإنجلترة بيمونته في حملتها معاضدة قوية، وبذلك حكمت أوروبا على النمسة حكما أدبيا، وكان ذلك فوزا باهرا لسياسة كافور، وظهر تأثيرها في المجلس النيابي حينما اقترح على لائحة التضمينات الكبيرة لتعويض ضحايا الإرادة الإمبراطورية، أما الجدال الذي تلى الاحتجاج فبرهن على صعوبة بقاء بيمونته والنمسة متجاورتين مدة طويلة.
الفصل الثالث والعشرون
مؤتمر باريس
1853-1856
كانت سنة 1853 حافلة بالكوارث والبؤس؛ إذ فتكت الهيضة بالنفوس وقضى المرض على الكروم وانتشرت الفاقة في جميع الأطراف؛ بسبب رداءة المحصول والأزمة التجارية، وأدت الضرائب الباهظة والدسائس الإكليريكية إلى اضطرابات خطيرة في منطقة «آوسته»، وهاجمت الجماهير في تورينو دار كافور وكادت تقضي على حياته.
وعلى الرغم من أن الحكومة قد أصلحت شئون المالية فإن الموازنات كانت لا تزال تحتوي قروضا جديدة وضرائب جديدة، ولم يمنع هذا أكثر البيمونتيين من التمسك بالدستور كل التمسك، ولما رفض مجلس الأعيان مشروع كافور بشأن تنظيم المصرف القومي قرر كافور استفتاء الأمة بإجراء انتخابات جديدة، وقد جاءت الأكثرية في جانب الحكومة فأعيد انتخاب جميع أعضاء الوزارة، وكادت الواردات تزداد ثلاثة أضعافها، أما الصادرات فزادت خمسين بالمائة؛ فلذلك كانت الحكومة قوية في البلاد وفي البرلمان رغم الفاقة والضرائب ودسائس الرهبان المستمرة.
ودل دخول رتازي في الوزارة على مقدار الثقة التي تتمتع بها الحكومة من حزب الوسط، وقد أدت المكانة التي نالتها الوزارة العظيمة إلى إقدامها على القيام بأعمال موفقة في السياسة الداخلية والخارجية، وإنقاذ البلاد من نير الكنيسة وتوثيق عرى التحالف مع فرنسة، وعرضت الحكومة في أوائل سنة 1855 مشروع الإصلاح الإكليريكي الثالث الخطير الشأن، وكانت قوانين سكاردي قد حالت دون تدخل الكنيسة في وضع القوانين.
وكما مر معنا؛ فإن قانون النكاح المدني يستهدف منع كل تدخل إكليريكي في حياة الأسرة، وقد استحسن الرأي العام تأجيل هذا المرسوم حينذاك، إلا أنه ألح على أن تشرف الحكومة على واردات الكنيسة، وحالما دخل رتازي الوزارة وعدت الحكومة بإلغاء الأديرة، وبمشاطرة الإكليريكية في وارداتها، وإلغاء الإعانات السنوية التي تدفعها الخزينة للإكليروس.
وحسبنا في إدراك أهمية ذلك أن نعلم أنه كان في المملكة التي يبلغ عدد نفوسها خمسة ملايين 604 أديرة وصومعة يقطنها 8500 شخص فلكل 214 نفسا من الأهالي إكليريكي واحد، بينما الحال في بلجيكة لكل 500 شخص، وفي النمسة لكل 615 شخصا، وكان الذين يعطفون على الإكليريكيين أو الذين يميلون إلى وجود «كنيسة حرة» مثل كافور؛ يؤثرون ترك الكنيسة حرة التصرف في أملاكها؛ معتبرين تقسيم الواردات الإكليريكية من القضايا التي تخص الكنيسة، ومقابل هؤلاء هناك المطالبون بإصلاح الكنيسة وخصوم الإكليروس الذين يرتئون أن تقوم الحكومة بإدارة أراضي الإكليروس، وأن يكون لها حق إلغاء الإدارة، وتخفيض عدد الأسقفيات، ومقاسمة الإكليروس وإرادته.
وعارض كافور بشدة سياسة من هذا النوع؛ إذ كان يقول بأن الإكليروس الذي يعيش بأموال الحكومة من دون أن يكون له عائلة وأملاك خاصة، يغدو طائفة محرومة من الرابطة الاجتماعية التي تربطها بباقي الهيئة الاجتماعية، لا علاقة لها بتشكيلات الدولة، وسوف تظل خطرا على الدول. على أن كافورا كان يدرك بأن البلاد تمقت الإكليروس حتى إنها لتفضل الخضوع إلى النمسة على أن تخضع للرهبان.
অজানা পৃষ্ঠা