قام رينمارك على مهل، وأخذ كمية من الكتب.
قال: «ستكون هذه ممتازة في إشعال نيران المخيم الصباحية. وإذا كنت ستسمح لي بأن أعتبرها ملكي، فهذا هو الغرض الذي سأستخدمها من أجله. فأنت بالتأكيد لا تقصد القول إنك تقرأ هذه النفايات، أليس كذلك يا ييتس؟»
صاح ييتس ساخطا: «نفايات؟ أستحق ذلك. هذا جزاء من يعاملك بكرم وإحسان يا ريني. حسنا، لست مضطرا إلى قراءتها، ولكن إذا وضعت أحدها في النار، فستتبعه أطروحاتك البحثية الغبية، إذا لم تكن أصلب من أن تحرق. إنك لا تميز الأدب الجيد حين تراه.»
لم ير البروفيسور ضرورة للدفاع عن ذوقه الأدبي؛ إذ كان مفعما بالثقة، ربما بسبب الزهو الذي عادة ما ينتاب رجلا يحوز شهادة دبلوم حقيقية من جلد الأغنام ممنوحة من جامعة مرموقة. فشغل نفسه بتقليم عصا كان قد قطعها من إحدى أشجار الغابة وشكلها أخيرا في هيئة عصا سير. كان رجلا رياضيا، ولم يناسبه كسل حياة المخيم كما ناسب ييتس. اختبر العصا بطرق مختلفة بعدما قلمها حسب رغبته.
سأل صاحبه المسترخي في الأرجوحة الشبكية: «أمستعد للسير عشرة أميال؟» «يا إلهي، لا. فالمرء لا يريد السير هنا بالأسفل إلا قليلا، ولا يريد كذلك أن تبلغ مسافة مسيره عشرة أميال. فأنا رجل قنوع. أنت راحل، أليس كذلك؟ حسنا، وداعا. وأصغ إلي يا ريني، فلتحضر معك بعض الخبز وأنت عائد إلى المخيم. فهذا هو الشيء الوحيد الآمن الذي يمكن فعله.»
الفصل التاسع
سار رينمارك عبر الغابة ثم عبر الحقول حتى وصل إلى الطريق. تجنب مساكن البشر قدر المستطاع؛ لأنه لم يكن ذا نزعة اجتماعية قوية ولا كثير الجوع كرفيقه. سار بخطى واسعة على طول الطريق غير مبال بالوجهة التي يقود إليها. وكان كل من يقابله يتمنى له «يوما طيبا»، وفق عادات أهل الريف الودية. أما معظم أولئك الذين كانوا يسيرون في اتجاهه بعربات أو مركبات أخف، فكانوا عادة ما يعرضون عليه توصيله، ثم يمضون في طريقهم متعجبين من أن يختار رجل السير دون أن يكون مضطرا إلى ذلك. كان البروفيسور، كمعظم الرجال الصامتين، يجد في نفسه صحبة جيدة، ولم يكن يشعر بالحاجة إلى رفقة في مسيراته. لذا انتابه شعور بالارتياح وليس الإحباط حين رفض ييتس مرافقته. وكان ييتس، الذي كان يتأرجح ناعسا في أرجوحته، مستمتعا مثله تماما. فحتى حين يجمع بين الرجال صداقة قوية حميمة، تشكل الأيام القليلة الأولى من تخييمهما معا ضغطا شديدا على ما يحمله كلاهما من ود واحترام تجاه الآخر. ولو كان دامون وبيثياس قد سكنا خيمة واحدة معا طوال أسبوع، ربما كان ألد عدو لأحدهما أو كليهما سيقدم في نهاية ذلك الأسبوع على دخول الخيمة في أمان تام، وكان سيلقى ترحيبا أيضا.
جالت هذه الخواطر في بال رينمارك وهو يتمشى. فقد أظهرت له معاشرته لييتس بضعة أيام مدى البعد الذي صار قائما بينهما بسبب اتباعهما مسارين يزدادان تباعدا كلما مشيا فيهما. واتضح أن صداقة شبابهما لم تكن سوى مجرد صداقة عابرة قصيرة. فلم يكن أيهما الآن ليختار الآخر صديقا مقربا. لقد تلاشى وهم آخر.
قال رينمارك لنفسه وهو يواصل السير: «لدي بالتأكيد قدر كاف من رباطة الجأش لأتحمل تفاهته السطحية أسبوعا آخر، دون أن أدعه يعرف رأيي فيه.»
كان ييتس في الوقت نفسه مستمتعا تماما بهدوء المخيم وسكونه. «هذا الرجل مدرس مبالغ فيه؛ إذ يحمل كل عيوب الأنواع التي تطورت تطورا غير طبيعي. وإذا صارحته مرة برأيي فيه، فسيعرف حقائق عن نفسه في عشر دقائق أكثر مما سمعها طوال حياته. لقد صار متزمتا صلفا إلى حد لا يطاق.» هكذا جالت أفكار ييتس في خاطره وهو يتأرجح في أرجوحته ناظرا إلى السقف من فوقه المكون من الأوراق الخضراء.
অজানা পৃষ্ঠা