ثم صاح قائلا: «أين عيناك يا ريني وأنت تنظر حولك دون أن تخرج عن صوابك؟ انظر إلى ضوء الشمس المرقط المتسرب من بين أوراق الشجر، أصغ إلى حفيف الريح وهي تداعب الأغصان، اسمع صوت سريان المياه المتباطئ في الجدول بالأسفل هناك، شاهد لحاء أشجار الزان الأملس وغلاف أشجار البلوط المحزز، شم روائح الغابة الصحية. أنت بلا روح يا رينمارك، وإلا ما كان من الممكن أن تكون بهذا الجمود. إنها كالجنة. إنها ... ريني، يا إلهي! لقد نسيت تلك الجرة في مخزن الحبوب!» «ستظل متروكة هناك.» «حقا؟ أوه، حسنا، إن كنت ترى هذا.» «هذا ما أراه. لقد بحثت عنها صباح اليوم لتحطيمها، لكني لم أجدها.» «لماذا لم تسأل بارتليت العجوز؟» «سألته، لكنه لم يكن يعرف مكانها.»
رمى ييتس نفسه على الأرض المكسوة بالطحالب، وضحك رافسا بذراعيه وساقيه حوله مستشعرا بهجة الحياة. «بالمناسبة، هل أحضرت معك أي ثياب قديمة حقيرة أيها البروفيسور المتحضر؟ حسنا، إذن فلتدخل الخيمة وتلبسها، ثم اخرج واستلق على ظهرك وانظر إلى الأعلى نحو الأوراق. أنت رجل جيد يا ريني، لكن الثياب الرسمية المحتشمة تفسدك. لن تعرف نفسك حين تضع على ظهرك هذه الثياب العتيقة. فالثياب البالية تعني التحرر ، والحرية، وكل ما حارب أجدادنا لأجله. حين تخرج، سنقرر من يعد الطعام ومن يغسل الأطباق. لقد حسمت القرار بالفعل في قرارة ذهني، لكني لست أنانيا إلى حد الامتناع عن مناقشة المسألة معك.»
حين خرج البروفيسور من الخيمة، قهقه ييتس. ابتسم رينمارك نفسه؛ إذ كان يعرف أن النتيجة ستلقى إعجاب صديقه. «يا إلهي! أيها العجوز، كان يجب أن أضع مرآة بين المعدات. فمظهر الوقار المتعلم وهو مزين بثياب متشرد حقير يصنع مزيجا قاتلا من شدة الضحك. حسنا، لا يمكنك أن تفسد تلك الثياب على أي حال. والآن تمدد على الأرض.» «أنا مرتاح جدا في الوقوف، شكرا لك.» «انبطح على ظهرك. أتسمعني؟» «فلتجعلني أنبطح إذن.»
سأله ييتس وهو يجلس ناصبا ظهره: «أتعني ذلك؟» «بالتأكيد.» «أصغ إلي يا ريني، احذر. لا أريد أن أوذيك.» «سأسامحك هذه المرة.» «سأفعل ذلك على مسئوليتك.» «تقصد على ظهري.»
صاح ييتس ناهضا على قدميه: «لا بأس يا ريني. سيؤلمك هذا. ها أنت قد تلقيت تحذيرا وافيا منذ البداية. وقد أعذر من أنذر.»
اتخذ الشابان وضعية الملاكمة. حاول ييتس أن يفعل ذلك برفق في البداية، لكنه وجد أنه لا يستطيع لمس خصمه، فحاول مهاجمته بجدية أكبر، وحذره تحذيرا وديا مرة أخرى. استمر الحال على ذلك بلا جدوى لبعض الوقت، حتى لف البروفيسور قدمه بحركة سريعة وبسلاسة رشيقة كأنه أستاذ في الرقص، وركل ييتس خلف ركبته مباشرة، موجها إليه في الوقت نفسه نقرة خفيفة على الصدر. فانبطح ييتس على ظهره في الحال. «أوه، لم يكن ذلك عادلا، يا ريني. لقد كانت هذه ركلة.» «كلا، لم تكن كذلك. بل مجرد لمسة فرنسية صغيرة. تعلمتها في باريس. إنهم يركلون هناك، كما تعلم، ومن الجيد أن تعرف كيفية استخدام قدميك بالإضافة إلى قبضتيك إذا هاجمك ثلاثة أشخاص، مثلما حدث لي ذات ليلة في الحي اللاتيني.»
جلس ييتس منتصبا. «أصغ إلي يا رينمارك، متى كنت في باريس؟» «عدة مرات.»
حدق إليه ييتس بضع لحظات، ثم قال: «ريني، أنت تحسن معرفتك واطلاعك. لم يسبق لي أن رأيت شارعا باريسيا في حياتي. يجب أن تعلمني هذه الركلة الصغيرة.»
قال رينمارك وهو يجلس، بينما تمدد الآخر تماما: «بكل سرور. فالتدريس هو مهنتي، وسأسعد بممارسة أي مواهب ربما تكون لدي في هذا التخصص. وسعيا إلى تعليم رجل من نيويورك، فالخطوة الأولى هي إقناعه بأنه لا يعرف كل شيء. هذه هي النقطة الصعبة. وبعدها يصير كل شيء سهلا.» «أيها السيد ستيلسون رينمارك، أنت تسعد بأن تكون صارما. فلتعرف أنني أسامحك. فهذا الملاذ المبهج في الغابة ليس مناسبا للخلاف الحاد، أو، بلغة بسيطة، الشجار. دع الكلاب تبتهج، إن أرادت ذلك؛ فأنا أرفض أن تدفعني طبيعتك الشكاءة المزعجة إلى التفوه بأي شيء سوى الرد اللطيف اللين. والآن لننتقل إلى العمل. حين يخيم شخصان معا، لا شيء يعزز صداقتهما للغاية كتحديد الواجبات بينهما من البداية. أتتفق معي؟» «تماما. ماذا تقترح؟» «أقترح أن تطهو الطعام، وأغسل أنا الأطباق. وسيتناوب كلانا على إحضار الغذاء.» «ممتاز. أوافق على ذلك.»
وهنا انتصب ييتس في جلسته فجأة، رامقا صديقه بنظرة توبيخ. «أصغ إلي يا رينمارك، هل أنت مصمم على أن تفرض أزمة دولية بيننا في اليوم الأول؟ هذه ليست فرصة عادلة لتمنح رجلا إياها.» «ما تلك الفرصة غير العادلة؟» «عجبا، الموافقة على كلامه. إن لديك خسة شديدة كامنة في أعماق شخصيتك يا ريني، ولم أتصور ذلك قط. فأنت تعرف أن الأشخاص الذين يخيمون يعترضون دائما على جزء المهام الذي يكلفونهم به رفاقهم في التخييم. وأنا اعتمدت على ذلك. سأفعل أي شيء سوى غسل الأطباق.» «لماذا لم تقل ذلك إذن؟» «لأن أي رجل عاقل كان سيقول «لا» حين اقترحت الطهي، لمجرد أنني اقترحته. ليس لديك أي قدر من حسن التصرف يا رينمارك. والمرء لا يعرف من أين تؤكل كتفك حين تتصرف هكذا. فعندما كنت سترفض أداء مهمة الطهي، كنت سأقول لك: «حسنا، سأؤديها أنا.» وكان كل شيء ليصبح رائعا، لكن الآن ...»
অজানা পৃষ্ঠা