لكن السيدة بارتليت ما كانت لتتقبل ذلك. كانت تشعر بأنها وحدها كفيلة بالحط من قدر الآخرين إن لزم الأمر، دون أي مساعدة من زوجها الذي كان رب البيت صوريا فقط.
قالت: «كلا، لا أذهب إلى حد قول ذلك. وما كنت أنت أيضا لتقول ذلك يا هيرام لو لم تخسر دعواك القضائية بشأن سياج الحديقة؛ وقد كان هذا جزاء لك من جنس عملك أيضا، لأنه ما كان ليحدث لو كنت موجودة في البيت آنذاك. ومع ذلك، فمارجريت مدبرة منزل جيدة؛ لأنها ما كانت لتكون ابنة أمها لو لم تكن كذلك، لكني أرى هذا نهجا غريبا في تربية أبناء المزارعين، وآمل فقط أن يستطيعوا مواصلته كما ينبغي. لم تكن توجد آلات بيانو ولا تعلم الفرنسية والألمانية في أيام صباي.»
وهنا صاح الابن متحدثا لأول مرة: «يجب أن تسمعاها وهي تعزف! يا إلهي!». بدا واضحا أن إعجابه بعزفها كان يفوق قدرته على التعبير.
أما بارتليت نفسه، فلم يستمتع بالمنحى الذي أخذته المحادثة، ونظر بشيء من عدم الارتياح إلى الغريبين. كان محيا البروفيسور بريئا وصريحا، وكان يصغي باهتمام نابع من الاحترام إلى حديث السيدة بارتليت. وكان ييتس منكفئا على طبقه بوجه متورد، وصب جم اهتمامه بما في يديه.
قال البروفيسور ببراءة لييتس: «أنا سعيد لأنك تعرفت على هذه الفتاة الشابة. لا بد أن أطلب منك أن تعرفني بها.»
لم يكن لدى ييتس ما يقوله لأول مرة في حياته، لكنه رمق صديقه بنظرة خلت من أي ود أو لطف. وحكى ذلك الأخير، ردا على استفسارات السيدة بارتليت، كيف مروا بالآنسة هوارد على الطريق، وكيف عرض عليها ييتس، بحنان قلبه المعتاد، استضافتها في عربة التبن. ثم انتقلت المحادثة إلى موضوع الخيمة، ما جلب شعورا بالغا بالارتياح إلى شخصين من بين الجالسين إلى الطاولة. كان هيرام الصغير هو من جلب هذه النعمة. فقد كان مهتما بالخيمة وأراد أن يعرف المزيد عنها. بدا أن الفتى كان مشغولا بسؤالين: أولا، كان متلهفا لمعرفة أي سبب شيطاني يجعل رجلين عاقلين، كما بدا عليهما، يهجران كل سبل الراحة في البيوت ويعيشان في العراء هكذا، إن لم يكونا مضطرين إلى ذلك. وثانيا، أراد معرفة السبب الذي يجعل شخصين كانا يحظيان بميزة العيش في المدن الكبيرة ينتقلان، من تلقاء نفسيهما، إلى هذا البلد الممل على أي حال. وحتى حين ذكرت له التفسيرات، بدا أنه ظل عاجزا عن فهم اللغز.
بعد الوجبة، ذهبوا جميعا إلى الشرفة ليسترخوا هناك، حيث كان الهواء عليلا والمنظر أمامهم ممتدا. لم تسمح السيدة بارتليت بأن ينصب الشابان خيمتهما هذه الليلة. قالت: «الرب أعلم، ستمكثان فيها لاحقا حتى تملا منها، مع المطر والبعوض. لدينا الكثير من الغرف هنا، وعلى أي حال، ستقضيان ليلة واحدة مريحة على طريق ريدج. ثم في الصباح، يمكنكما أن تجدا مكانا يناسبكما في الغابة، وسيأخذ ابني فأسا ويقطع لكما أوتادا خشبية، ويساعدكما في نصب خيمتكما الغالية. تذكرا فقط أنكما ينبغي أن تأتيا إلى المنزل حين تمطر السماء، وإلا ستصابان بالبرد والروماتيزم. سيكون العيش في الخيمة لطيفا جدا حتى يفقد حداثته وتعتاداه، وحينئذ، يمكنكما بكل ترحاب وسرور أن تقيما في الغرفتين الأماميتين في الطابق العلوي، ويمكن أن يعيد هيرام الخيمة إلى إيري في أول فرصة يذهب فيها إلى البلدة.»
كان من عادة السيدة بارتليت أن تأخذ الأمور كواقع مسلم به لا يقبل الجدل. فقد بدا أنها لم يخطر ببالها قط أن أيا من قراراتها قد يكون محل نقاش. كان هيرام جالسا يحدق إلى الطريق بصمت، كأن كل هذا ليس من شأنه.
كان ييتس قد رفض الجلوس على كرسي، وجلس على حافة الشرفة، ساندا ظهره إلى أحد الأعمدة في وضعية مكنته، دون أن يدير رأسه، من النظر عبر المدخل المفتوح المؤدي إلى الغرفة، حيث كانت الآنسة بارتليت منشغلة في صمت بتنظيف المائدة من معدات الشاي. استرق الشاب نظرات خاطفة عابرة إليها وهي تتحرك في أرجاء الغرفة بحيوية مؤدية عملها. سحب سيجارا من علبته، وقطع طرفه بسكينه، وأشعل عود ثقاب بحكه في نعل حذائه، فاعلا ذلك باعتياد تلقائي سلس لم يتطلب أي تركيز منه، وكل ذلك أثار غبطة مشوبة بالاحترام من جانب الابن، الذي كان جالسا على كرسي خشبي حانيا جسده إلى الأمام يراقب ذلك النيويوركي بشغف.
قال ييتس عارضا العلبة على هيرام الصغير: «أتريد سيجارا؟»
অজানা পৃষ্ঠা