ذهل رينمارك بشدة من هذا الاتهام الظالم من فتاة كان يتوهم أنها ليست متقلبة المزاج، حتى إنه عجز عن الرد. ومع ذلك، كان على موعد مع مثال آخر على التناقض مع الذات.
إذ سألته قائلة: «لماذا تقف هناك هكذا دون أن تفعل شيئا وها أنا قد وجدته؟».
كان على طرف لسانه أن يقول: «أقف هنا لأنك تقفين هناك تتشاجرين معي دون وجه حق»، لكنه لم يقل ذلك. لم يكن رينمارك رجلا سريع التصرف، لكنه فعل الصواب في هذا الموقف للمرة الأولى في حياته.
قال بصرامة: «مارجريت، اطرحي هذا السياج أرضا.»
أطاعت الفتاة هذا الأمر المقتضب الذي قيل بلهجة صارمة من فورها. صحيح أن مهمة كهذه قد تبدو صعبة على فتاة، لكنها تنجز بسهولة في بعض مناطق أمريكا. فالسياج ذو العوارض الأفقية يكون مهيأ للهدم بسهولة. أسقطت مارجريت عارضة من اليمين وعارضة من اليسار ثم عارضة أخرى من اليمين حتى حل مكان هذا الجزء من السياج فجوة مفتوحة. وفي هذه الأثناء، كان البروفيسور يتفحص الجندي الشاب ووجد ساقه مكسورة بسبب رصاصة بندقية اخترقتها. رفعه برفق بين ذراعيه، وابتهج حين سمع تأوها يتفلت من بين شفتيه. سار عبر الفجوة المفتوحة في السياج وعلى طول الطريق في اتجاه البيت، حاملا جسد تلميذه الفاقد الوعي. لازمت مارجريت جواره في صمت، وظلت تداعب خصلات شعر أخيها الرطبة المموجة بين الحين والآخر بلا وعي منها.
قالت: «علينا أن نحضر طبيبا؟» كان تساؤلا وتأكيدا في الوقت نفسه. «بالطبع.» «يجب ألا نزعج أحدا في البيت. لذا من الأفضل أن أخبرك الآن بما يجب فعله، كي لا نحتاج إلى التحدث حين نصل إلى هناك.» «لا يمكن أن نتفادى إزعاج أحد.» «لا أظننا سنضطر إلى ذلك. إذا بقيت مع آرثر، فسأذهب إلى الطبيب، وبذلك لن يكون هناك داع لأن يعرف أحد بالأمر.» «سأذهب أنا لإحضار الطبيب.» «أنت لا تعرف الطريق. إنها مسافة لا تقل عن خمسة أو ستة أميال. سأمتطي جيبسي وسأعود سريعا.» «لكن الطرق مليئة بالمجرمين المتربصين وفلول الفينيانيين الشاردين. ليس من الآمن أن تذهبي وحدك.» «بل آمن تماما. فلا يستطيع أي حصان سرقه المتسكعون أن يتفوق على جيبسي. والآن، لا تقل أي شيء آخر. من الأفضل أن أذهب. سوف أسبقك ركضا وأدخل البيت خلسة. ثم سآخذ المشكاة إلى الغرفة الجانبية التي تفتح فيها النافذة على الأرض مباشرة. احمله إلى هناك. سأنتظرك عند البوابة وأريك الطريق.»
وبذلك رحلت الفتاة وحمل رينمارك عبئه وحده. كانت تنتظره عند البوابة وقادته في صمت حول البيت إلى النافذة البابية التي كانت مطلة على المرج الأخضر الواقع تحت شجرة تفاح. تدفق الضوء منها إلى الخارج على العشب. وضع الصبي برفق على السرير الصغير الجميل. وعرف رينمارك من النظرة الأولى هوية صاحب هذه الغرفة. فكانت مزينة بتلك الحلي والدمى الصغيرة الجميلة التي تحب الفتيات اقتناءها في غرفهن الصغيرة الخاصة.
همست قائلة: «من المستبعد أن يزعجك أحد هنا إلى أن أعود. سأنقر على النافذة حين آتي مع الطبيب.» «ألا تظني أن الأفضل والآمن أن أذهب أنا؟ لا أحبذ فكرة ذهابك وحدك.» «لا لا. رجاء فلتفعل ما أقوله لك فقط. إنك لا تعرف الطريق. سأكون أسرع بكثير. وإذا ... إذا ... استفاق آرثر، فسيعرفك ولن ينزعج كما قد ينزعج لو كنت غريبا.»
ذهبت مارجريت قبل أن يستطيع قول أي شيء آخر، وجلس رينمارك راجيا من أعماق قلبه ألا يطرق أحد باب الغرفة أثناء وجوده هناك.
الفصل العشرون
অজানা পৃষ্ঠা