============================================================
مقدمة المحقق: بسم الله الرحمن الرحيم الامام المحاسبي ومدرسته نشاته وعصره: أما العصر الذي عاش فيه المحاسبي فهو إبان الدولة العباسية العربية اسما، والفارسية أو التركية فعلا، وأما المكان فهو ما بين البصرة وبغداد، وأما خليفة المسلمين فكان الأمين ثم المأمون، ثم المتوكل فالواثق. وأما مولده فكان بالبصرة في النصف الثامن من القرن الأول الهجري: وكانت البصرة والكوفة - كما هو معلوم - مركزين متنافسين في العلم وشتى مجالات الفكر الأخرى، ولكل منهما مذهب تدافع عنه، وتشتهر به، حتى في مسائل الزهد والورع كما أثبته المحاسبي في كتابه "المكاسب".
وكانت حضارة الإسلام في خلافة بني العباس قد تطورت إلى "مدنية" تعنى بالمظاهر الشكلية للتقدم وأسلوب الحياة المترف، ويسير فيها الانحلال الأخلاقي جنبا إلى جنب مع النهضة الثقافية، وحركة الترجمة، ومدارس العلم، وجهود المؤلفين الجبارة، وإن كان الالتزام العملي بالعلم قد أصبح قاصرا على فثة قليلة من العلماء والتلاميذ، حيث اجترفت المدنية الساحرة جمهور الباقين منهم، من أطلق عليهم المحاسبي اسم "علماء السوء" لقد بلغ الانحلال الخلقي، والاستهانة بالكرامة الإنسانية مداه المتسفل في هذا العصر، حتى لقد اتخذت أم جعفر البرمكي للأمين بن الرشيد الجواري الحسان، وألبستهن ملابس الغلمان، وبعثت بهن إليه، فأبرزهن للناس من
পৃষ্ঠা ১৭