عامر بن عمارة بن خُريم المري، شامي شاعر فحل الشعر، وفارس مشهور، وأخوه عثمان بن عمارة مولى أبي يعقوب الخريمي، وكان ينزل سجستان. حدثني سوار بن أبي شراعة قال: قتل عامل للرشيد بسجستان أخًا لأبي الهيذام، فخرج أبو الهيذام بالشام وجمع جمعًا عظيمًا، وقال يرثي أخاه - أنشد هذه الأبيات محمد بن الحسن الزرقي قال: أنشدنيها عبد الله بن شبيب قال: أنشدني عبد الله بن الزبير -
سأبكيكَ بالبيضِ الرقاقِ وبالقنا ... فإنَّ بها ما يُدركُ الطالبُ الوترا
ولسنا كمن يبكي أخاه بعبرةٍ ... يُعصرها من ماء مُقلته عصرا
وإنا أناسٌ ما تفيضُ دُموعنا ... على هالكٍ منا وإنْ قصم الظهرا
ولكنني أشفي الفؤادَ بغارةٍ ... ألهبُ في قُطريْ كتائبها جمرا
قال: فغلظَ أمره، واشتدت شوكته، وأعيتِ الرشيدَ الحيلُ فيه، فأحتال له من قِبلِ أخٍ له يقال له عامر، كتب إليه فأرغبه ووعده. تولية البلد. فشدَّ على أبي الهيذام فقيده وحمله إلى الرشيد وهو بالرقة، فقال لما دخلَ عليه:
أفي عامرِ لا قدس اللهَ عامرًا ... تبيتُ تعنيني السلاسلُ والكبلُ
فماضرَّ منْ كانتْ سِجستان داره ... بأَنْ فاتكٌ بالشامِ زِلتْ به النعلُ
إذا نحنُ خلينا عن الصلحِ عامرًا ... وكان التصافي بيننا الرمحُ والنصلُ
فما نحن إلا أهلُ سمعٍ وطاعةٍ ... وهل أنت إلا السيدُ الحكم العدلُ
فأحسنْ أميرَ المؤمنينَ فإنه ... أبى اللهُ إلا أيكونَ لك الفضْل
فمن عليه الرشيدُ وأطلقه.
ومن قول أبي الهيذام أنشده دعبل:
يقولونَ الحديدُ أشدُّ مني ... وقد يُثني الحديدُ وما ثنيتُ
تجنُّ الأرضُ إن نوديتُ بِاسمي ... وتنهدُّ الجبالُ إذا كُنيتُ
وكمْ من شامتٍ بي يومَ أُنعى ... ومنْ باكٍ عليّ إذا نُعِيتُ
وفيه يقول أبو المُنيب الكلبي، أنشده دعبل:
فمهلًا يا بني القينْ بن جسرٍ ... ولا يغرركمُ مِنا السرابُ
يمنيكمْ أبو الهيذامِ نصرًا ... ويسلمكمْ إذا اختلف الضِّرابُ
الكسائي
علي بن حمزة، يكنى أبا الحسن. كوفي نزل بغداد، وأدب محمدَ بن الرشيد، وهو إمامُ الناسِ في النحو وفي القراءة، وأُستاذُ الفراء، وعلي بن المباركِ الأحمرِ.
وجمع الرشيد بينهم وبين سيبويهِ البصري، فخطأه الكسائيُّ وغلاماه، فأمر الرشيدُ بصرفِ سيبويه، وأمر له بعشرة آلاف درهم. فلم يدخل البصرةَ استحياءً مما وقع عليه، ومضى إلى فارسَ فمات بها. ويزعم البصريون أنه مات وله نيفٌ وعشرون سنةً.
وللكسائي أشعارٌ حسانٌ قليلة، وأنشد له الجاحظ:
إنما النحوُ قياسٌ يتبعْ ... وبه في كلِّ أمرٍ ينتفعْ
وإذا ما أبصرَ النحوَ الفتى ... مر في المنطق مرًا فأتسعْ
وإذا لم يعرف النحوَ الفتىَ ... هاب أن ينطقَ جبنًا فانقمعْ
يقرأ القرانَ لا يعلمُ ما ... صرفَ الإعرابُ فيه وصنعْ
فتراهُ يخفضُ الرفعَ وإن ... كان من نصبٍ ومنْ خفضٍ رفعْ
حدثني ثعلب قال: حدثني سلمةُ عن الفراءِ قال: لما صار الكسائي إلى رنبويهِ وهو مع الرشيد في سفرته الأولى إلى خرسان اعتل فتمثل:
قدرٌ أحلكَ ذا النُخيلِ وقد ترى ... وأبي مالكَ ذو النُّخيلِ بدارِ
ألا كداركمُ بذي بقرِ الحمى ... هيهاتَ ذو بقرٍ من المزدار
ثم مات بها ومحمد بن الحسن، فقال الرشيد: خلفتُ الفقه والنحو برنبويه. ورثاهما اليزيدي.
أخبرني أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر قال كتب الكسائي النحو إلى الرشيد بهذه الأبيات، وهو يؤدب محمدًا:
ماذا يقول أمير المؤمنين لمن ... أمسى إليكَ بِحرمةٍ يُدلي
ما زلتُ مذ صار الأمين معي ... عبدي يدي ومطيتي نعلي
وعلى فراشي من ينبهني ... من نومتي بقيامهِ قبلي
أسعى برجلٍ منه ثالثةٍ ... موفورةٍ مني بلا رِجلِ
وإذا ركبتُ أكون مرتدفًا ... قدام سرجي راكبًا مِثليِ
1 / 6