وتصبح هذي الكائنات خرابا
وأخذ بعد ذلك ينشر مقالات ضافية في السياسة العثمانية في جريدة «المقطم»، وجريدة «المشير». وبعد سنة قصد ثانية إلى الآستانة، فعين في «الجمعية الرسومية الجمركية»، ثم عضوا في «مجلس المعارف الأعلى».
ولم يلبث أن نفاه السلطان عبد الحميد إلى «سيواس»، فظل فيها سبع سنوات، بقي في منفاه إلى أن أعلن الدستور العثماني سنة 1908، فعاد إلى الآستانة، ومنها إلى مصر، وبعد عودته إلى مصر عاود الكتابة في الصحف السابقة، ثم في «الأهرام»، و«المؤيد»، و«الرائد المصري»، كما تولى ردحا من الزمن رئاسة تحرير جريدة «الإقدام» التي أصدرتها في الإسكندرية الأميرة ألكسندرة أفرينو ديفيس ديوسكا، وقد جمع معظم الكتابات التي كتبها في هذه الفترة في كتابي: «الصحائف السود»، و«التجاريب»، كما ترجم من اللغة التركية إلى اللغة العربية كتاب: «خواطر نيازي، أو صحيفة من تاريخ الانقلاب العثماني الكبير»، ونشرت الترجمة في سنة 1909.
وقد عين في وزارة الحقانية المصرية إلى أن تولى السلطان حسين كامل عرش مصر، فدعاه إليه وعينه سكرتيرا عربيا في الديوان العالي السلطاني، وكانت هذه أسعد فترة في حياته؛ لأنه كان معجبا بالسلطان حسين، مرتاحا إلى العمل معه، ولكن سعادته لم تدم طويلا؛ إذ أخذ مرض الربو ينغصها حتى اشتد به المرض، واضطر إلى أن يعتزل منصبه، وأن يلازم منزله في حلوان حتى لقي ربه في سنة 1921، وكان في مدة عمله بالديوان السلطاني قد ترجم من الفرنسية إلى العربية رواية «الطلاق» لبول بورجيه.
ولقد عبر أنطون الجميل عن الشقاء وسوء الحظ اللذين لازما ولي الدين يكن في حياته وموته في رثائه له، فقال: «وقد أبى الله إلا أن يغمط فضله بعد مماته كما غبن في حياته، فقد اجتمعنا في الخامس عشر من شهر أبريل سنة 1921 لتأبينه، فإذا بنا نفر قليل حول قبره، نفتش عن معظم أدباء مصر، وحملة الأقلام فيها فلا نجدهم، مع أنه كان خليقا بهم أن يتألبوا حول ضريح من كان في طليعة الأدباء نزاهة، وإباء، وشرف نفس، وكرم عنصر، ولكن ولي الدين كان يتوقع مثل ذلك.»
صورته النفسية
يخيل إلينا أن الآنسة مي زيادة قد أجادت وصف حالة ولي الدين يكن النفسية عندما قالت: «هو نفس كثيرة الأهواء، منهوكة القوى، متمردة وثابة حساسة رقيقة، حتى لتخال رقتها وإحساسها سقاما أحيانا، وإذا جاء وقت الوثب كان متهورا في شجاعته غير مبال ولا هياب.»
وقد جاء هذا الوصف في مقال نشرته في مجلة الفجر ببيروت بعدد أكتوبر سنة 1920، ثم جمعته في كتابها «الصحائف» (ص88-93). وأوردت فيه بعضا من أحداث حياته وبدواته التي لاحظتها وسجلتها بإحساس المرأة المرهف الدقيق، بحيث يمكن أن يعتبر هذا المقال من المفاتيح الأساسية التي تعين على فهم نفسية ولي الدين يكن، وبالتالي فهم أدبه واتجاهاته فهما دقيقا؛ ولذلك ربما كان من الخير أن نثبت هنا هذا المقال القصير كاملا.
قالت: «استوقفني في ردود على استفتاء قول فتاة أنها تود أن تموت غرقا، وقد سبق أني سمعت هذا التمني ممن لم يكن فتاة، بل كان شاعرا، ولا يندر أن يكون الشاعر فتاة في بعض تخيلاته اللطيفة، وأعني ولي الدين بك يكن.
إن حياة ولي الدين بك تعددت فيها الفواجع البكماء.
অজানা পৃষ্ঠা