موضوع منها باعثه وحادثته، لعل من ذلك نورًا يكشف عن معنى مغلق أو يوضح فكرة يكتنفها بعض الغموض، ولكن بعض الضرورات قد ألزمتني أن أقتصد في البيان هنا اكتفاءً بما بينته في موضعه، وأشرت إليه في هامش موضوعه.
ولقد يقرأ القارئ بعض القصص في هذا الكتاب، فيسأل عن بعضها: أهذا حق يرويه أم باطل يدعيه؟ ويسأل عند بعضها: أهذا مما ينقل من مأثورات الأدب والتاريخ القديم، أم إنشاء مما يبدعه الخيال وتوشيه الصنعة؟ ثم يقرأ رأي الرافعي في القصة وكتاب القصة* فيقول: أين رأيه من حقيقته؟ وأين عمله من دعواه؟
ولهذه القصص حديث طويل، ولكن حسبي أن أقول: إن الرافعي -وإن هجر القصة ولم يحفل بها زمانًا- كانت القصة في أدبه، وفي طبعه.
وكما قلت من قبل: إن هذا الكتاب يجمع كل خصائص الرافعي الأدبية متميزة بوضوح في أسلوبه، كذلك أقول هنا: إنه يجمع كل خصائصه العقلية والنفسية متميزة بوضوح في موضوعه، ففيه خلقه ودينه، وفيه شبابه وعاطفته، وفيه تزمته ووقاره، وفيه فكاهته ومرحه، وفيه غضبه وسخطه، فمن شاء أن يعرف الرافعي عرفان الرأي والفكرة والمعاشرة فليعرفه في هذا الكتاب.
أما الجزء الثالث من هذا الكتاب فقد خلفه المؤلف ﵀ على مكتبه قصاصات من صحف وصفحات من كتب ومجلات، فعاد كتابًا بين دفتين، وقد رتبت فصوله على ما بدا لي، إذ لم أجد فيما خلّف المؤلف من أوراق ما يشير إلى رأيه في ترتيبه، ولكن جمع أكثر مواده في غلاف وأودعه درج مكتبه إلى ميعاد، ثم عاجلته منيته. وقد جمعتُ ما قدرت عليه بعد، فأضفتُه إلى ما جمع المؤلف، ورتبت كل ذلك وهيأته للمطبعة فإن كان قد فاتني شيء مما ينبغي إضافته إلى ذلك الجزء، أو قصر بي الجهد عن ترتيبه على الوجه الأمثل، فمعذرة إلى قارئه.
وللمؤلف في ذيل بعض الصحائف تعليقات، ولي تعليقات غيرها اقتضاها مكانها وموضوعها، فإذا رأى القارئ رمز التعليق في الصلب وفي الهامش نجمًا أو
_________
* الجزء الثالث من وحي القلم.
1 / 11