وخُيِّل إليهم أنهم أقلقوا البحر كما يقلقون الدار، فصاح بهم: ويحكم يا أسماك التراب! ورأيت طفلًا منهم قد جاء فوكز البحر برجله! فضحك البحر وقال: انظروا يا بني آدم!!
أعلى الله أن يعبأ بالمغرور منكم إذا كفر به؟ أعلي أن أعبأ بهذا الطفل كيلا يقول: إنه ركلني برجله؟
أيها البحر، قد ملأتك قوة الله لتثبت فراغ الأرض لأهل الأرض.
ليس فيك ممالك ولا حدود، وليس عليك سلطان لهذا الإنسان المغرور.
وتجيش بالناس وبالسفن العظيمة، كأنك تحمل من هؤلاء وهؤلاء قشا ترمي به.
والاختراع الإنساني مهما عظم لا يغني الإنسان فيك عن إيمانه.
وأنت تملأ ثلاثة أرباع الأرض بالعظمة والهول، ردًّا على عظمة الإنسان وهوله في الربع الباقي؛ ما أعظم الإنسان وأصغره!
ينزل في الناس ماؤك فيتساوون حتى لا يختلف ظاهر عن ظاهر.
ويركبون ظهرك في السفن فيحن بعضهم إلى بعض حتى لا يختلف باطن عن باطن.
تشعرهم جميعًا أنهم خرجوا من الكرة الأرضية ومن أحكامها الباطلة.
وتفقرهم إلى الحب والصداقة فقرأ يريهم النجوم نفسها كأنها أصدقاء، إذ عرفوها في الأرض.
يا سحر الخوف، أنت أنت في اللجة كما أنت أنت في جهنم.
وإذا ركبك الملحد أيها البحر، فرجفتَ من تحته، وهدرتَ عليه وثُرْتَ به، وأريتَهُ رأي العين كأنه بين سماءين ستنطبق إحداهما على الأخرى، فتقفلان عليه، تركته يتطأطأ ويتواضع، كأنك تهزه وتهز أفكاره معًا، وتدحرجه وتدحرجها.
وأطَرْتَ كل ما في عقله، فيلجأ إلى الله بعقل طفل.
وكشفت له عن الحقيقة: أن نسيان الله ليس عمل العقل، ولكنه عمل الغفلة والأمن وطول السلامة.
1 / 41