أيها البحر *!
إذا احتدم الصيف، جُعلتَ أنت أيها البحر١ للزمن فصلًا جديدًا يسمى "الربيع المائي".
وتنتقل إلى أيامك أرواح الحدائق، فتنبت في الزمن بعض الساعات الشهية كأنها الثمر الحلو الناضج على شجره.
ويوحي لونك الأزرق إلى النفوس ما كان يوحيه لون الربيع الأخضر، إلا أنه أرق وألطف.
ويرى الشعراء في ساحلك مثل ما يرون في أرض الربيع، أنوثة طاهرة، غير أنها تلد المعاني لا النبات.
ويحس العشاق عندي ما يحسونه في الربيع: أن الهواء يتأوَّه.
في الربيع، يتحرك في الدم البشري سر هذه الأرض؛ وعند "الربيع المائي" يتحرك في الدم سر هذه السحب.
نوعان من الخمر في هواء الربيع وهواء البحر، يكون منهما سكر واحد من الطرب.
وبالربيعين الأخضر والأزرق ينفتح بابان للعالم السحري العجيب؛ عالم الجمال الأرضي الذي تدخله الروح الإنسانية كما يدخل القلب المحب في شعاع ابتسامة ومعناها.
في "الربيع المائي" يجلس المرء، وكأنه جالس في سحابة لا في الأرض.
ويشعر كأنه لابس ثيابًا من الظل لا من القماش؛ ويجد الهواء قد تنزه عن أن يكون هواء التراب.
_________
* كتبها في مصيفه بالإسكندرية.
١ كتبنا في "أوراق الورد" رسالة عن البحر والحب، فيها أوصاف كثيرة للبحر.
1 / 39