وقد أشرت إلى أنهم انتهوا إلى التخصص بوحي الفطرة والطبع ولم يسمحوا لأذهانهم وعقولهم بأن تنصرف عمدا عما تتطلع إليه الأذهان والعقول، فكان لثقافتهم الواسعة أثر فيما تخصصوا فيه، وكان اطلاعهم الشامل يفتح لهم فيما تخصصوا فيه أبوابا للبراعة والسبق والتفوق.
وهل يستطيع المتحذلقون من شبان اليوم أن يفقهوا كيف كانت ثقافة ديكارت وباسكال؟
وهل فيهم من يدرك كيف كانت ثقافة سبنسر أو كيف كانت معارف أناطول فرانس؟
وما أدعو إليه اليوم كنا حاولناه مرة في الجامعة المصرية، ثم أخفقنا بفضل الحذلقة التي تغلب على شبان هذه الأيام، فقد كان تقرر أن لا يدخل الطالب كلية الحقوق إلا بعد أن يمضي سنتين في كلية الآداب، وأن لا يدخل الطالب كلية الطب إلا بعد أن يمضي سنة في كلية العلوم، وسارت الجامعة المصرية على هذا النظام أعواما قليلة، ظهر أثرها في طوائف من المحامين والأطباء، ثم أسرف الطلبة في الصرخ فأعفتهم الجامعة، من ذلك النظام المفيد، ومن الواضح أن ذلك النظام كان في جوهره حربا على الإسراف في فهم التخصص، فقد كانت الجامعة تفهم أن طالب الحقوق لا يمكن أن يبرع في فهم أسرار القوانين إلا إن أمضى سنتين في كلية الآداب يدرس فيهما علوم اللغة العربية وعلم النفس وعلم الأخلاق ويتعمق بعض التعمق في اللغات الحية وفي الجغرافيا والتاريخ.
وكانت الجامعة تفهم أن طالب الطب لا يعتمد عليه إلا إن أمضى سنة في كلية العلوم يدرس فيها الطبيعة والكيمياء والرياضة درس الفهم والتثبت ليكون في المستقبل من الأطباء العلماء. •••
ونحن اليوم نحاول أن نضع للحياة العلمية في العراق أصولا من التقاليد الصالحات، فهل ترون من الخير أن نحقق ما عجزت عن تحقيقه الجامعة المصرية؟
ما الذي يمنع من ذلك؟ أفي الحق أن وزارة المعارف العراقية قد تلاين الطلبة كما صنعت وزارة المعارف المصرية؟
ولكن إلى أن يتحقق ذلك الغرض المنشود أرى أن يفرض درس الأدب العربي على جميع الطلاب في المعاهد العالية، وإليكم موجبات هذا الاقتراح:
أولا:
نحن في العراق نحاول جهد الطاقة أن نعيد مجد الأسلاف في حيواتهم العلمية والأدبية والفلسفية، وكان أسلافنا جميعا معروفين بالتفوق في اللغة العربية، فما كان فيهم طبيب ولا مهندس ولا مشرع إلا وله آثار نظمية ونثرية تشهد ببراعته في الأدب والبيان.
অজানা পৃষ্ঠা