قلت: ما هذا الكلام يا إميل؛ فقد جرحت فؤادي وهيجت عواطفي، ولماذا تريد أن تتعمد لنفسك الأذى؟
قال: لا بد لي يا سيدتي من الخروج بواسطة هذه النافذة لئلا تراني خادمتك «دانيز» التي جعلها زوجك راعول رقيبة علينا.
قلت: ولكن هل لا تظن أن السكان الذين أمامنا لا يرونك وأنت تتسلق الجدران فيظنونك لصا أو يوقعون علي الشبهة؟
قال: لا تخشي يا سيدتي من هذه الجهة؛ فقد دبرت كل شيء قبل أن آتي إليك متنكرا؛ لأن الدار التي تجاوركم ليس بها أحد من السكان، وهي مهجورة منذ زمن طويل، وصاحبها من أصدقائي المخلصين، وقد أخذت منه مفتاحها، بدعوى أني أريد التفرج عليها ونزلت منها إلى الحديقة، حيث صعدت بعد ذلك إلى غرفتك فلم يشعر بي أحد على الإطلاق.
قلت: حسنا فعلت يا إميل، وأنا أشكرك على هذه العواطف الأبية والإحساسات الشريفة، وأرجو أن لا يبرح ذكري من بالك؛ لأني أسر إذا علمت أن لي في العالم صديقا يحبني ويغار على مصلحتي وقد عهدتك يا إميل هو ذلك الصديق المخلص.
وفي خلال هذا الحديث طرقت خادمتي دانيز الباب فانتبهنا من حلمنا، وسألت: من الطارق؟ فأجابت «دانيز»، هل تحتاج مولاتي إلى شيء من الخدمة؟ قلت: لا يا دانيز؛ فأنا قد دخلت إلى سريري، وحينذاك عادت الخادمة إلى غرفتها وبقيت أنا وإميل وحدنا كما كنا.
ومن ثم أراد إميل الخروج فمنعته؛ لأن دانيز كانت لم تزل مستيقظة، وربما نظرته عند خروجه، وهناك يكون البلاء الأكبر، فانتظر إميل حتى تنام الخادمة، ولما حانت الساعة الثانية بعد نصف الليل ساد السكون وهدأت الطبيعة، فهم إميل بالخروج وحينذاك نظر إلي نظرة العاشق الولهان، وقال: هل لا تسمح سيدتي بالرجوع إليها مرة أخرى؟
فعندئذ تفرست في وجهه؛ فإذا به قد علاه الاصفرار، ولاحت عليه سمات الكآبة والانقباض، ولكن ملامح الجمال والرقة كانت لم تزل ظاهرة بين عينيه البراقتين وجبينه الوضاح، وقد ألقى القمر أشعته الجميلة على محياه اللطيف فتمثل أمام عيني أجمل مما كنت أظن، فلم أستطع أن أتغلب على عواطفي وأجبت إميل قائلة: نعم، يمكنك أن تراني مرة أخرى يا حبيبي إميل، وعلى إثر ذلك صعد إلى النافذة وانحدر منها إلى الحديقة، ثم توارى عن الأبصار، فاضطجعت على الكرسي الذي كنت جالسة عليه، ولم أذق في تلك الليلة لذة الكرى إلى أن أشرق صباح اليوم الثاني.
الفصل الحادي عشر
ومن ثم أخذ إميل يأتي في مثل هذا الوقت من كل يوم فنقضي بضع ساعات على هذه الحال بين مداعبة ومحادثة وبث لواعج، إلى أن مضى على ذلك نحو تسعة أيام ولم يقف لنا أحد على أثر، ولم يعلم عنا خبر.
অজানা পৃষ্ঠা