وكانت عداوة زوجي راعول ممزوجة بالدناءة وحب الانتقام، وأما أنا فلم أكن أطلب له الأذى، ولكني كنت لا أحبه فقط؛ لأن مبادئنا ومشاربنا لم تتفق.
وهناك جلست على صخرة عالية.
وكان راعول يتذكر في ذلك الوقت أنه طلب التزوج بي أكثر من مرة فقابلت طلبه بالرفض والإباء؛ لأني كنت أحب موريس، ولا أرضى بغيره لي خليلا؛ فحينذاك يزداد غضبه وتشتعل في قلبه نيران الحنق وحب الانتقام.
أما أنا فكنت لا أرى طريقة لإزالة غصتي وتفريج كربتي غير الخروج إلى الخلاء واستنشاق هواء الصحراء، وملازمة العزلة والانفراد.
فخرجت ذات يوم إلى الخلاء (وهناك جلست على صخرة عالية)، وكنت أرى أمامي أمواج البحر تتلاطم بشدة؛ فيدوي صدى صوتها في الآفاق، وهناك أطلقت لذاكرتي العنان لتجول في عالم التخيلات والتأملات؛ فتذكرت تلك الأيام السعيدة التي قضيتها مع حبيبي موريس، وكيف أن الدهر أبى إلا حرماننا من التمتع بها، وألوم نفسي من الجهة الأخرى؛ لأنني نكثت عهد محبته ورضيت الاقتران بهذا الزوج اللئيم، وفي ذلك الوقت كان يتمثل أمامي حبيبي موريس جالسا مثلي على صخرة أخرى يبكي على فراقي ويندب سوء حظه؛ لأنه لم يحظ بقربي، ويلومني على هذه الخيانة الفظيعة، فعند ذلك ارتعدت فرائصي واقشعر بدني؛ لأني شعرت بجسامة ذنبي وعظيم خطئي.
الفصل الخامس
وبينما أنا على هذا الحال ما أشعر إلا ويد قوية هزت كتفي وناداني صوت مملوء من الغضب والحنق: يظهر أنك لا تطلبين النزهة يا سيدتي إلا في واسع الخلاء.
فهذا الذي كان يكلمني هو زوجي راعول، وقد جاء يفتش علي ويقتفي أثري.
أما أنا فنهضت واقفة على قدمي ولم أفه ببنت شفة، فاندفع راعول في تيار غضبه وطفق يوسعني لوما وتوبيخا، وأنا لا أزداد إلا صمتا ورضوخا، ثم التفت إليه وقلت له بلطف: هيا بنا نرجع إلى الدار يا راعول.
فنظر إلي شزرا وأجابني بلهجة العدو الماقت: إنك يا مادلين تتظاهرين أمامي كل يوم بالعداء والجفاء، وقد عيل صبري وضاق صدري من سوء معاملتك؛ فالأفضل لك أن تجاهري بكراهتك لي حتى أصبح على بصيرة من حقيقة مستقبلنا، فأجبته بجأش قوي وجنان ثابت: إني لا أحبك يا راعول، ولكني لا أبغضك أيضا. - حسنا تقولين، ولكن هل تظنين أني أصدق أنه يوجد في العالم كله امرأة واحدة يخلو قلبها من الحب؛ فمن تحبين إذن يا مادلين؟
অজানা পৃষ্ঠা