ওয়াহাত উমর: স্বাতন্ত্র্যপূর্ণ জীবনী: প্রথম অংশ
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
জনগুলি
وبعد «رحلة في عالم النور» كلفني الدكتور يونس بمساعدته في ترجمة «الأفكار الحية لتوماس جيفرسون» من تحرير الفيلسوف الشهير جون ديوي، وكان هذا العمل بمثابة الدرس الذي أفادني في فنون الترجمة؛ فترجمة النص الكامل، والاستماع إلى تصويبات الأستاذ، والاستفادة من خبرته المتخصصة في اللغة العربية، كانت جميعا مما لا يتاح للكثيرين من المحترفين، ولم أكن أتردد في السؤال، وكنت من الوجوه المألوفة في قسم اللغة العربية، حتى سمعت أحدهم يصفني ضاحكا ذات يوم بأنني من «المؤلفة قلوبهم»! وذات يوم خطر لي أن ألتحق بقسم اللغة العربية ولكن لوائح الجامعة لم تسمح؛ إذ لا يجوز التحاق طالب بقسم على مستوى «الليسانس» (الدرجة الجامعية الأولى) وبقسم آخر على مستوى الماجستير (الدراسات العليا)؛ ولذلك عملت بنصيحة الدكتور شوقي ضيف، وسجلت للماجستير (في مارس 1961م)، في موضوع «تطور الصور الفنية عند وردزورث»، بإشراف الدكتور رشاد رشدي. وأذكر أنني عندما بدأت العمل، أخذت أجمع كل ما أستطيع العثور عليه من لغة المجاز؛ أي من تشبيهات واستعارات وكنايات وإشارات رمزية وأسطورية؛ استنادا إلى تعريف «الصورة الشعرية» لدى سيسيل داي لويس (في الكتاب الذي يحمل ذلك العنوان)، وتعريف باحث آخر اسمه ريتشارد هارتل فوجل في كتاب عنوانه «الصور الشعرية عند كيتس وشلي: دراسة مقارنة». وملأت نحو تسعمائة بطاقة بالصور وتواريخ كتابتها ومصادرها، ولكن الديوان كان كبيرا (ثلاثة مجلدات) والطريق شاقا.
كانت أحلى ساعات العمل هي التي أقضيها في المكتبة أثناء النهار؛ أرصد فيها الصور في الديوان وأنقلها على البطاقات. ونشأت أزمة تمثلت في قرب نفاد البطاقات، وكنت قد دبرت الحصول عليها «عمولة»؛ بحيث أعددت ثلاثة آلاف بطاقة بعشرة جنيهات. ولم أجد لدي عشرة جنيهات أخرى لإعداد العدد اللازم، فذهبت إلى شارع الفجالة أحاول البحث عن مخرج، فقابلت محمود جعفر، وهو زميل في الإذاعة لم يكن قد علم باستقالتي، فوقف يحادثني عن مشاكله مع «شفيق»، وأهمها أنه منعه من النوم في غرفة الأخبار! كان جعفر يقيم في بنها التي تبعد نحو 40 كيلومترا عن القاهرة، وكان مكلفا بوردية الصباح التي يسمونها وردية الفجر؛ إذ تبدأ في الرابعة صباحا وتنتهي في العاشرة، وإن كان المعمول به أن ينصرف بمجرد إعداده نشرات الصباح العربية للإذاعات الموجهة، حتى لو كان ذلك في السابعة مثلا، مما كان يتيح له أن يعود إلى بنها للعمل في المدرسة؛ إذ كان معلما للغة العربية. وكان جعفر مشغولا بوضع شرح مبسط للنحو العربي عنوانه «ألفية ابن مالك تحت المجهر، شرح وتحقيق محمود جعفر»، فكان يأتي في المساء ويعمل في الكتاب حتى يخلو المكان، فيطفئ الأنوار وينام حتى الرابعة ثم يتولى إعداد النشرات ويرحل.
ولا أدري كيف «ضبطه» شفيق متلبسا بالنوم، ولكنه استصدر أمرا من محمد إسماعيل محمد بمنعه من النوم في المكتب، وكان معنى ذلك أن يقضي الليل في أحد الفنادق، ولا يوجد فندق محترم بأقل من خمسين قرشا، وهو بالتأكيد لا يحب (هكذا قال) أن يذهب إلى شارع كلوت بك، حيث الفنادق الرخيصة (من عشرة قروش إلى 25 قرشا) حتى لا يتعرض للغواية؛ فنساء المنطقة «لا يتركن أحدا في حاله!» وعندما سألته عن «الحل» قال إنه يرشو الفراش الساهر حتى يوقظه إذا شعر باقتراب «جواسيس» شفيق. وعندما اقترحت عليه أن ينام في المنزل أجابني أغرب إجابة سمعتها وهي «لا يوجد نوم أحلى من نوم المكتب!» وعندما ضحكت ضحكة مكتومة قال لي: «وأحد مزاياها أنك تحتفظ بوضوء العشاء لصلاة الصبح .. وتصليه حاضرا أيضا!» وعندما علم بمشكلتي اصطحبني إلى مكتبة يملكها أحد معارفه، وتستطيع توفير البطاقات الألف بجنيه واحد! ثم همس لي: «لماذا لا تحفظ الشعر عن ظهر قلب فتوفر الورق؟» وعندما ذكرت له ضرورة البطاقات للمساعدة في التصنيف والتبويب، قال لي: «وفر نقودك واحفظ المادة في رأسك وصنفها في رأسك .» ووعدته بأن أحاول وافترقنا. ولم أره أو أسمع عنه شيئا بعد ذلك.
ولنعد إلى عام 1960م؛ ففي يناير 1960م عقدت الكلية الامتحان المعلن عنه لمدرسي اللغة الإنجليزية، وهي درجة تماثل درجة معيد وإن كانت لا تقتضي الحصول على درجات علمية؛ لأن المعينين عليها يعتبرون من خارج هيئة التدريس. وكان الامتحان يتكون من جزأين ؛ قطعة للترجمة إلى الإنجليزية، وموضوع إنشاء. وسرعان ما استدعي الناجحون لأداء الامتحان الشفوي. وكان الممتحنون هم د. رشاد رشدي ود. مجدي وهبة ود. محمد يس العيوطي. وكان الطالب يقرأ قطعة من نص كتبه الدكتور صمويل جونسون، وكانت الفقرة التي قرأتها عن حياة جوناثان سويف، الشاعر ومؤلف رحلات جاليفر، وكان ذلك الكتاب من بين الكتب التي فزت بها في مسابقة الترجمة قبل عامين، وقرأته؛ ولذلك مر الشفوي بسلام! وصدر القرار بتعيين اثنين فقط؛ هما: عمرو برادة وأنا، رغم أن المطلوب هو سبعة! وأعيد نشر الإعلان، وكان عدد مدرسي اللغة يزداد؛ فقد عين من الدفعة السابقة لي كرم محسن وفريد صالح، ومن الدفعة السابقة عليهما ليلى مرسي، ابنة مدير جامعة القاهرة - عالم الرياضيات محمد مرسي أحمد.
وظهرت مشكلة لم أكن عملت حسابها في التعيين؛ فأوراقي في الإذاعة كانت تتضمن ورقة من منطقة تجنيد الإسكندرية تقول إنني لم أبلغ بعد سن التجنيد، ويمكنني أن أستعملها في التعيين في الحكومة. أما الآن فقد بلغت الحادية والعشرين، ولا بد من التجنيد. وذهبت إلى الإسكندرية، وقضيت أول ليلة في المعسكر؛ معسكر مصطفى باشا المواجه لمحطة سيدي جابر على البحر، لن أنساها مدى العمر. كان معي من رشيد أحد مواليد نفس العام، وهو منير أبو الفضل (الدكتور الآن - أعتقد أنه أستاذ للتاريخ في جامعة طنطا)، وقد نصحني قبل الذهاب إلى الكشف الطبي بشراء نظارة بقرشين، توحي بأنها نظارة طبية وإن كانت غير ذلك، فرفضت. وقلت له إن الأطباء يفحصون قاع العين. وكان دخولنا يوم الخميس. ووقفنا صفا واحدا، فخرج علينا طبيب وقال: كل من يلبس نظارة يأتي إلى المكتب كي أعطيه شهادة عدم اللياقة الطبية! وكان عدد هؤلاء أربعة، حصلوا على الشهادة وخرجوا، بينما أمرنا بقضاء الليلتين التاليتين في المعسكر حتى يعقد الكشف الطبي يوم السبت.
كنا في رمضان، والجميع صائمون، فأمر الضابط بأن يتقاضى كل منا مبلغ سبعة قروش للإفطار والسحور من مقصف المعسكر. وذهبنا بعد الإفطار إلى القشلاق للمبيت، فوزعوا علينا بطانيات، وبينما أنا أستعد للنوم أحسست كأن لوحا من الخشب قد صكني في ظهري، فصرخت ألما وانتبهت، فإذا بغلام من بلدنا قد ضربني بيده على ظهري ترحيبا! موش فاكرني يا ابن عناني؟ أنا ألبير بتاع الفسيخ! ولم أضحك ولم أرحب؛ فقد كان ألم الضرب مبرحا، ثم عدت للنوم حتى استيقظنا في السحور، وقضيت يوم الجمعة وحدي وأنا أفكر فيما عساي أن أفعل، وبعد ساعات شغلتني الحديقة ونسائم البحر الدافئة في ذلك الربيع الصافي، وجلست وحدي على شاطئ البحر حيث أتى الشعر دون دعوة! كنت أعتمد على ذاكرتي وحدها؛ فلم تكن هناك أقلام أو كراسات، وفي صبيحة السبت، وبعد الكشف الطبي، حصل كل منا على شهادة تأجيل حتى أكتوبر، ومن ثم عدت إلى القاهرة - بقصيدتين!
ولم يشعر أهل القاهرة بغيابي، وكانت لدينا في السنة الثانية فتاة ضئيلة الحجم، ذات ألوان متعددة في عينيها وشعرها، وكانت تسير كأنها تطير، وكنت أرقبها، كما كان يرقبها غيري، ولكنني كنت وحدي الآن بعد أن تخرج الأصدقاء وانطلقوا، ولم يكن لدي من الأصدقاء غير ماهر البطوطي من أبناء القسم، وأحمد السودة من خارج القسم! فكتبت القصيدة الأولى وعرضتها عليهما، فكان رد فعل الأول هو «هل عرضتها عليها؟ وماذا سيكون رد فعلها؟» أما الثاني فكان يرى أنها شعر فحسب، فلم يعلق!
وهذه هي القصيدة:
طائر أنت يا منى،
لونت ريشه السماء،
অজানা পৃষ্ঠা