ওয়াহাত উমর: স্বাতন্ত্র্যপূর্ণ জীবনী: প্রথম অংশ
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
জনগুলি
أعلى الممالك ما كرسيه الماء
وما دعامته بالحق شماء
وأتيت إلى البيت الذي يقول فيه:
ما أنجبت مثل شكسبير حاضرة
ولا نمت عن كريم الطير غناء
تصورت أن به كسرا، وقلت لخالي إن الوزن يستقيم لو وضعنا نابليون مكان شكسبير! فضحك الجميع وقال خالي لي: إنه موزون، ولكن بالتفعيلة خبنا (أي حذف الثاني الساكن)، واعترضت لأن هذه تفعيلة الرجز وهذا بحر البسيط، فازدادت الضحكات، وقال لي والدي: «لا تشغل بالك بالأوزان واقرأ الشعر نفسه.» وعندما انقضى العام الدراسي وتقرر أن نعود إلى رشيد، لا أدري لماذا، كنت قد قررت أن أقرأ كل ما تقع عليه عيني من شعر، دون أن أحاول حفظه، وإن كنت أحفظه رغما عني، في العطلة الصيفية.
4
كانت العودة إلى رشيد عودة إلى الطبيعة، فعدت إلى ارتداء الجلباب، وتحررت من الملابس المدرسية، وعدت إلى أقراني أحدثهم عن الإسكندرية وهم يدهشون لما أحكيه، وكان لدينا زميل جديد يشاركنا اللعب بالكرة، ولكنه من القاهرة، وفد إلى رشيد بسبب انتقال والده إلى وظيفة حكومية في البلد. كان كلما ذكرت شيئا عن الإسكندرية يعلق قائلا: هذا لا شيء إذا قورن بالقاهرة! وكان يشتط في قصصه أحيانا فيحكي عن ملاعب لكرة القدم فوق أسطح المباني، فإذا صادف آذانا مصدقة زاد في القصة أن اللاعب قد «يشوط» الكرة من ملعب فوق سطح مبنى لتستقر في الهدف على سطح مبنى مجاور! وكان من أفراد الشلة من يكذبه، خصوصا زبقة (وتنطق زبأه - بفتح الزاي والباء وتشديد الهمزة) وسمونة، بتشديد الميم. كانا قد انقطعا عن الدراسة وعمل الأول في ورشة خراطة والثاني في صناعة الأقفاص من سعف النخيل (من الجريد)، لكنهما كانا لا يزالان في فريق الكرة، وكان «عجيب» - وهذا هو اسم القاهري - يحتقرهما ويقول لهما إن «الكرة الشراب» (أي المصنوعة من الجوارب القديمة) قطعا لا تستطيع الانتقال من سطح إلى سطح، بخلاف الكرة «الكفر» أي ذات الغطاء الجلدي الذي يحمي الأنبوب المطاطي الذي ينفخ بالداخل؛ فهي ذات مرونة كبيرة، وقد يضربها اللاعب فتحلق في الهواء مسافات بعيدة، بل قد يبلغ من قوة اندفاعها أن تقتل شخصا! ما الذي يحكيه «عجيب»؟ وانتحى بي زميل آخر كان قد انقطع عن الدراسة هو الآخر، واسمه سالمة (اسمه بالكامل محمود علي سالمة)، وقال لي: هل تصدق ما يقوله عجيب؟ إنه «نتاش» - أي فشار (أي نفاج بالفصحى)، ولم نكن قد سمعنا تعبير «يسرح ب» بعد، بمعنى يكذب علي - وهي كناية مهذبة. ولكننا كنا نعرف كلمات مثل «ينتش» بكسر التاء، ويمعر بضم العين. وكلها تصف النفج.
وعندما بدأ العام الدراسي، وكنا في السنة الثانية من الدراسة الثانوية (تقابل الشهادة الإعدادية حاليا)؛ كان في فصلي القديم تغيير لا شك فيه. كان يجلس إلى جواري غلام ضئيل الحجم، أسمر البشرة إلى حد بعيد، اسمه أحمد قادوم، وكان ذلك مصدر سخرية للطلبة، وكان بعضهم يدعوه «بالشاكوش»، وكنت أتصور أن اسمه تحريف للصفة قدوم بمعنى سريع القدوم أو مقدام، على غرار صيغة عطوف وخئون، وكان أبوه يعمل معاونا بأحد المساجد ويرتدي العمة والجبة والقفطان، ومن تحته الكاكولا، وكان لديه ستة إخوة وأخوات، وكان مجدا في دروسه ويؤمن بنظام دقيق في استثمار وقته في حفظ الدروس؛ فهو لا يؤمن مثلما كنت أومن بضرورة قراءة الصحف والكتب غير المدرسية؛ لأنها كانت في نظره مضيعة صريحة للوقت، وكان لدينا في الفصل نفسه تلميذ يكبرنا بعدة سنوات؛ لأنه لم يلتحق بالمدرسة إلا بعد الانتهاء من حفظ القرآن، فكنا نسميه الشيخ نجيب عبد الحليم ، وكان سعيدا بالتسمية، وكان يجلس في الصفوف الأخيرة مع اثنين من الكبار (وكانا في نحو الخامسة عشرة )، هما إبراهيم شحتوت، وإبراهيم عثمان. وكان كلاهما من لاعبي كرة القدم المهرة، وإذا كان نجيب خفيض الصوت رزينا، فإن كلا منهما كان عالي الصوت جهيرا، وكانا يشتركان أيضا في طول شعر الرأس وتصفيفه. ومن الأسماء التي راعتني شخص من إدكو اسمه «قاقا» (تنطق ءاءا)، يجلس بجوار تلميذ من أهل البلد اسمه «مطش» (وهو اسم العائلة التي تعمل بصناعة الأخشاب). كما كان من نوابغ الفصل شاب يميل إلى الطول اسمه خميس سعد خضر (الذي أصبح فيما بعد أستاذا في حقوق القاهرة)، وكنت أسمع عن وجود نابغة في سنة تانية «ب» اسمه مصطفى الجمال، من «البر التاني» أي من محافظة الغربية قبل أن ينقسم الجزء الشمالي ويصبح محافظة كفر الشيخ، وكان يعبر النيل في قارب كل يوم قادما إلى المدرسة وعائدا منها (وقد أصبح فيما بعد أستاذا في حقوق الإسكندرية مع ابن عمه عبد الحميد الذي أصبح عميدا للكلية نفسها).
أما التغيير الذي أحسسته فهو وجود موضوعات «سرية» يختص بها الكبار، ولا يسمح للصغار الجالسين في الصفوف الأولى بالاستماع إليها، ناهيك بالمشاركة فيها. وبدأ عدد من الصغار في محاولة استكشاف هذه الموضوعات، ويبدو أن بعض الأساتذة كانوا على علم بها، ويشيرون إليها باسم «الشقاوة» ويحذرون الفصل عموما منها، لكنني لم أشهد لا في المدرسة ولا خارجها ما يدل على «شقاوة» هؤلاء الكبار، بل إن الشيخ نجيب نفسه كان يشارك في الحديث مع الكبار في حلقات، وكانوا يطربون لسماع فتاواه! وتصورت أن وسيلتي لقهر الكبار هي الجد والعمل، ولاحت لي فرصة لإثبات ذلك حين عقد مدرس اللغة العربية الأستاذ عبد الفتاح خطاب مسابقة لنا في كتابة الإنشاء، وكان الموضوع هو مظاهر الجمال في البر والبحر بالليل والنهار! وكنت شبه واثق من فوزي بالمركز الأول، ولكن الذي فاز هو الشيخ نجيب، وقال المدرس وهو يعلن النتيجة في اليوم التالي: «لقد تساوت الكفتان، ولكن الآيات القرآنية رجحت كفة الشيخ عبد الحليم»، وهي الهزيمة التي علمتني ما يريده أساتذة العربية.
অজানা পৃষ্ঠা