ولقد طال تعجبي من ذلك ولا نظن أن تلك الدرج في موضع المنبر الذي ابتنى مروان لأن مروان وإن قدم الخطبة على الصلاة على خلاف ما فعله صلى الله عليه وسلم فلما له في ذلك من القصد، وأما جعله على خلاف السنة الثابتة من فعله صلى الله عليه وسلم وجعله القوم أو بعضهم خلف ظهره فلا تظهر له ثمرة، وأيضا فيبعد إقرار من جاء بعده على مخالفة السنة وأيضا لو كان ذلك من فعله لأنكر عليه كما أنكر عليه اتخاذ المنبر وتقديم الخطبة ولو سلم أن تلك الدرج في موضع منبر مروان فالسنة تغيير ذلك ومخالفته فيه واتباع ما صح من فعله صلى الله عليه وسلم كما خولف في أمر الخطبة واتبع بها فعله صلى الله عليه وسلم حيث جعلت بعد الصلاة، وقد ارتسم في خيال بعض الجهلة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في هذا الموضع وخطب على هذه الحالة التي عليها الناس اليوم وإلا لما فعل الناس ذلك وهذا خطأ عظيم إما أولا فلمباينته ما نقله الأئمة من فعله صلى الله عليه وسلم وما ذكروا أنه السنة ومن لازم هذا الخيال الفاسد تكذيب الأئمة، وأما ثانيا فكيف نظن به صلى الله عليه وسلم أنه ينصرف عن أصحابه حتى يستدبرهم ويقف عند آخرهم أو يستدبر غالبهم ويخطب لهم في غير حاجة تدعو لذلك، وكيف يترك الصحابة رضي الله عنهم طلعته البهية ويرضون باستدباره صلى الله عليه وسلم مع قيامه لمخاطبتهم ووعظهم وهم أعظم الناس أدبا لا يظنه عاقل.
وكم من بدعة وجدنا الناس يفعلونها ولا يعلم ابتداء حدوثها وليس لنا أن نستدل بذلك على تغيير حكمها في الشرع.
والتشبث باستمرار أفعال الناس إنما تكون في مسألة لا يعرف حكمها من جهة الشرع أما مسألة عرف حكمها في الشرع كهذه المسألة فالواجب علينا اتباع الشرع المنقول فيها واعتقاد حدوث ما عليه الناس وتقديره بأقرب الأزمنه إذ جهلنا بابتداءه وقد ذم الله أقواما تمسكوا في مجاحدة الحق بفعل سلفهم فقال تعالى حكاية عنهم (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) فينبغي تطهير هذا المحل الشريف المنسوب للمصطفى صلى الله عليه وسلم من هذه البدعة القبيحة ليزول من قلوب العوام والجهال ما قدمناه ولإحياء سنته صلى الله عليه وسلم وذلك يحصل ببناء الدرج عن يمين القايم في محراب هذا المسجد المتقدم وصفه كما هو السنة وتكون مرتفعة بحيث يرى القايم عليها من خارج المسجد كالدرج التي بالحائط الشامي ويكون الموضع المتقدم وصفه بالحائط الشامي للمبلغ يقوم عليه إمام الخطيب على أن السقف الذي قدمنا وصفه أمام هذا الموضع المحدث على يد الأمير برد بك صار يحول بين من يصلي خارج المسجد وبين مشاهدتهم الخطيب كما تقدم.
وقد هم بعض الخطباء بهدمه لذلك وهو متعين والذي ظهر لي بعد التأمل أن ذلك الموضع لم يجعل منبرا بل مجلسا للمبلغ لأنه ليس على هيئة المنبر وكأنهم أرادوا أن يجعلوا الأمر في ذلك على وفق السنة في زمنه صلى الله عليه وسلم من قيام الخطيب على الأرض ثم إن من حضر بعد ذلك من الخطباء رأى الاحتياج إلى القيام على مرتفع لما قدمناه من حيلولة البناء بينه وبين من يكون خارج المسجد فلما لم يجد موضعا مرتفعا سوى ذلك قام عليه ثم لم يتيسر بناء منبر على وفق السنة هناك فاستمر ذلك.
পৃষ্ঠা ১৭৮