أما الكعبة نفسها فلم تكن ملكا للقرشيين، بل كانت - على الحقيقة - ملكا مشاعا لأكثر القبائل التي تربطهم بها وشائج المصلحة السياسية العامة، وثم كان للكعبة صبغة عالمية عندهم.
وقد وضعت كل قبيلة من تلك القبائل صنمها الذي تعبده في ذلك المحراب «الكعبة» حتى بلغ عدد الأرباب التي بها ثلثمائة وستين ربا، وكان التسامح الديني سائدا ، وقد وصل بهم إلى أعظم حدوده، فقد كنت ترى في الكعبة - زيادة على ما أسلفنا ذكره من الأصنام - صورة إبراهيم الخليل، وصورة الملائكة، وصورة العذراء مع طفلها عيسى. (6) الحجر الأسود
على أنهم كانوا لا يقدسون شيئا كما يقدسون «الحجر الأسود»، وهو الحجر الذي يزعم المسلمون أنه كان في أول أمره أبيض، ثم اسود من توالي الحريق الذي حدث في الكعبة، وقد لعب هذا الحجر فيما بعد - في قابل الإسلام - دورا خطيرا في التاريخ الإسلامي، ولا زال يعده المسلمون - حتى أيامنا هذه - حجرا مقدسا، وسنذكر في بعض الفصول التالية بعض أقاصيص يرويها بعض علماء الكلام واللاهوت من المسلمين عن هذا الحجر.
وقد وصفه لنا بعض السائحين الأوربيين الذين شاهدوه، فذكر أنه قطعة من حجر البازلت البركاني تلمع في أنحائه نقط بللورية، وتبدو في بعض جهاته قطع صغيرة من النوع الذي يطلقون عليه اسم «فيلسبار» لونها تارة أحمر بأسفله ظلال قاتمة، وتارة أسمر يميل إلى السواد.
وقد تعاورته ظروف مختلفة، فكسر أكثر من مرة حتى غدا في هذه الأيام مؤلفا من اثنتي عشرة قطعة مضموم بعضها إلى بعض، والكثيرون يجمعون على أنه حجر من الرجوم الساقطة من السماء. •••
أما احترامهم الكعبة فقد بلغ بهم حد التقديس،
19
وزاد إجلالهم لها فقدسوا ما جاورها من البقاع - التي خلعت عليها الكعبة مسحة القداسة - وثم أصبح ما يكتنفها - إلى بعد عدة فراسخ - حراما لا يجوز لكائن من كان أن يفتك بسواه فيها، أو يصطاد من حيوانها احتراما لها.
ويؤم الكعبة في كل عام جمهور ضخم من الناس من شتى الأنحاء؛ لتأدية الشعائر الدينية المقدسة فيها! (7) عبادة الأصنام
20
অজানা পৃষ্ঠা