كما أذكر لك خطب الحجاج وزياد، وأحب ألا تفوتك تلك المحاورات الشائقة التي دارت بين علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان، ولا تلك المراسلات المعجبة التي دارت بين على ومعاوية، فإن أمثال هذه الكتابات آية من آيات الدقة والإحكام، ونموذج عال من نماذج الإبداع، والافتنان!
ولا تنس قراءة كلام النابغين من كتاب عصرك، الذين امتازوا بتوخي الدقة وحسن الأداء، ومتانة الأسلوب؛ هذا إذا أردت التفوق في الكتابة العربية، فإذا وليت وجهك شطر الأدب الإنجليزي وأردت التفوق في الكتابة بالإنجليزية؛ فاقرأ من نوابغهم أمثال «ماكولي» و«فرود» و«كنج ليك».
وجماع القول أن الوسيلة الوحيدة للتفوق في الكتابة بأية لغة - أجنبية كانت أو قومية - هي الاطلاع الدائم على كتابة بلغاء تلك اللغة، وقادة الفكر والبيان فيها، ومحاكاة كتاباتهم بكل وسيلة ممكنة!»
الطالب : «وكيف أستطيع محاكاتهم في كتابتهم؟»
المدرس : «أما طريقة المحاكاة فسهلة هينة وهي:
إذا عثرت على قطعة مختارة لمثل هؤلاء الكتاب الأفذاذ الذين ذكرتهم لك - مما يثير إعجابك - فاقرأها متأنيا فاحصا، واكتب في ورقة بيضاء أهم نقاطها الجوهرية، ثم اترك القطعة التي قرأتها، والورقة التي كتبتها - يوما أو يومين - ثم عد إلى ورقتك التي كتبتها مسترشدا بها في كتابة الموضوع - من جديد - مفرغا قصارى جهدك في تقليد عبارة الكاتب وأسلوبه.
ومتى انتهيت من ذلك فارجع إلى أصل المقال، وقارن بينه وبين ما كتبت وأصلح كل ما وقعت فيه من خطأ أو إهمال مما يؤدي إلى اختلاف في الأداء لا يتفق مع الدقة، والإحكام اللذين رأيتهما في الأصل.
عود نفسك ذلك التمرين مرتين أو ثلاثا في كل أسبوع؛ فإنك قادر على الكتابة - بعد قليل من الزمن - بأسلوب رائع!»
الطالب : «ولكني - إن فعلت ذلك - كنت مقلدا، وقد أجمع المفكرون على أن التقليد شر لا خير فيه، ولا فائدة ترجى منه إلا الإملال، ولا شك أن المنقول أقل روعة وبهاء من النموذج!»
الأستاذ : «لا ريب أن الفن قائم على الابتكار، وأن التقليد فيه لا يكون إلا شرا لأن كل صورة - مهما كانت جميلة - هي أقل بهاء وروعة من النموذج الذي أخذت عنه، ولكن الناشئ الذي يتعلم ليس أمامه إلا طريق واحدة للوصول إلى غرضه، وهي أن يجعل همه الأول تقليد أساتيذ الفن الذي يتعلمه.
অজানা পৃষ্ঠা