وهذا كلام نؤكد للقارئ أننا نعنيه تماما وأننا نقوله جادين، وأننا أبعد الناس عن المبالغة حين نقرره.
فليس يمتري أحد درس أبا العلاء حق دراسته في أنه قد خط للشعر العربي طريقا جدية فلسفية، وأنه قد أودع لزومياته أسمى المبادئ الاجتماعية، وأرقى أساليب النقد الصحيح، والسخرية الخفية اللاذعة، والدعابة القاسية التي تحوي الجد المر بين ثناياها، والتي تكشف عن النفس الإنسانية، وعن الطبيعة الخالدة سجفها، وأستارها الكثيفة؛ فتجليها في أبهى حللها، وتطلع الإنسان على أخفى خفاياها. •••
وهذه الميزات الباهرة التي نكبرها في «أبي العلاء» والتي نعجب بأدبه من أجلها وندعو الناس إلى الإقبال على آثاره الخالدة؛ ليمتعوا أنفسهم بها، هي وحدها السر في عزوف فريق الأدباء الجامدين عن كتب أبي العلاء، وبغضهم للأدب العلائي والفلسفة العلائية، فإن أذهانهم الضيقة لا تتسع لفهم معانيه العميقة، وصدورهم الحرجة لا تنفسح لحريته البعيدة المدى.
ولا غرو إذا عجزوا عن فهم شعره فنتقصوه وعابوه، فقد ألفوا من الشعر لغوا وهذيانا، ودعابة، وترديد معان سخيفة أنهكها التكرار الممل، ونوعا من الشعبذة الكلامية تلتئم مع طبائعهم الممسوخة وأذهانهم الملتوية الفاسدة. وما أجدر هؤلاء أن يبغضوا شعر أبي العلاء ويعزفوا عنه! وما أخلقهم أن لا يصدعوا أدمغتهم بجده القاسي الذي لا تحتمله أذهانهم اللطيفة! •••
فإذا كان لا بد لهم أن يحفظوا شيئا يتندرون به من كلام أبي العلاء ليتمموا به سلسلة محفوظاتهم الأدبية، فأمامهم بضع قصائد قالها في أول حياته الأدبية - في كتاب سقط الزند - وتبرأ منها في مقدمته؛ كقوله مثلا:
إذا خفقت لمغربها الثريا
توقت من أسنته اغتيالا
وقوله:
ولو أن الرياح تهب غربا
وقلت لها: «هلا» هبت شمالا
অজানা পৃষ্ঠা