وقد حدث لأبي عثمان المازني ما حدث لسيبويه، قال: «دخلت بغداد فألقيت علي مسائل، فكنت أجيب فيها على مذهبي، ويخطئونني على مذاهبهم.»
قالوا: «وهكذا اتفق لسيبويه.»
وجماع القول أن سيبويه هزم رغم فضله وعلمه وكونه في جانب الحق، ولم يكن له بد من السكوت والرضى بالهزيمة في هذا المجلس الحاشد. •••
ومثل لنفسك أيها القارئ مجلسا حافلا بأعيان الدولة، وقادة الرأي فيها، يجمع مثلا على أن «لم» تنصب ولا تجزم، وأنت وحدك تقول «إنها تجزم ولا تنصب، وإن العرب لا تعرف غير ذلك.» وهم لا يسمعون لك قولا، فأية حجة تستطيع أن تدلي بها في مثل هذا المجلس المتحامل الذي ينكر عليك ما لا سبيل إلى إنكاره؟
كذلك كان موقف سيبويه يقرر قاعدة أجمع علماء النحو على أن خلافها شاذ لا يؤخذ به، فلا يقبل منه قول.
ولقد كان في لسان سيبويه حبسة - كما يقولون - ولكنها لم تكن السر في هزيمته
18
فهو لم يقصر في الكلام، ولم يكن ذلك المجلس المتحامل عليه في حاجة إلى خطيب لسن، بل كان في حاجة إلى آذان واعية وقلوب لم يفسدها الهوى والغرض.
وهكذا تمت الهزيمة، فذهب «سيبويه» إلى فارس، ولم تطل مدته بعد ذلك.
قالوا: ولما اعتل سيبويه وضع رأسه في حجر أخيه، فبكى أخوه لما رآه - لما به - فقطرت من دمعه قطرة على وجهه، فرفع سيبويه رأسه إليه فرآه يبكي فقال:
অজানা পৃষ্ঠা