فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة
فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة
প্রকাশক
دار ابن الأثير،الرياض
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٢٢هـ/٢٠٠١م
প্রকাশনার স্থান
المملكة العربية السعودية
জনগুলি
فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة
تأليف: عبد المحسن بن حمد العباد البدر
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوِذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن سلك سبيلَه، واهتدى بهديه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فلأهميَّةِ بيان مكانة آل بيت النَّبِيِّ ﷺ عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ألقيتُ في الموضوع محاضرةً في قاعة المحاضرات بالجامعة الإسلامية بالمدينة قبل ستة عشر عامًا، وقد رأيتُ لعمومِ الفائدةِ كتابةَ رسالةٍ مختصرةٍ في هذا
1 / 3
الموضوعِ، سَمَّيتُها:
فضلُ أهل البيت وعلوُّ مكانتِهم عند أهل السُّنَّة والجماعة
وهي تشتمل على عشرة فصول:
الفصل الأول: مَن هم أهل البيت؟
الفصل الثاني: مُجمل عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة في أهل البيت.
الفصل الثالث: فضائل أهل البيت في القرآن الكريم.
الفصل الرابع: فضائل أهل البيت في السنَّة المطهَّرة.
الفصل الخامس: علوُّ مكانة أهل البيت عند الصحابة وتابعيهم بإحسان.
الفصل السادس: ثناء بعض أهل العلم على جماعة من الصحابة من أهل البيت.
الفصل السابع: ثناء بعض أهل العلم على جماعة من الصحابيات من أهل البيت.
1 / 4
الفصل الثامن: ثناء بعض أهل العلم على جماعة من التابعين وغيرهم من أهل البيت.
الفصل التاسع: مقارنة بين عقيدة أهل السُّنَّة وعقيدة غيرهم في أهل البيت.
الفصل العاشر: تحريم الانتساب بغير حق إلى أهل البيت.
المؤلف
١ ربيع الثاني ١٤٢٢
1 / 5
الفصل الأول: مَن هم أهل البيت؟
القولُ الصحيحُ في المرادِ بآل بيت النَّبِيِّ ﷺ هم مَن تَحرُم عليهم الصَّدقةُ، وهم أزواجُه وذريَّتُه، وكلُّ مسلمٍ ومسلمةٍ من نَسْل عبد المطلب، وهم بنُو هاشِم بن عبد مَناف؛ قال ابن حزم في جمهرة أنساب العرب (ص:١٤): " وُلِد لهاشم بن عبد مناف: شيبةُ، وهو عبد المطلب، وفيه العمود والشَّرف، ولَم يبْقَ لهاشم عَقِبٌ إلاَّ مِن عبد المطلب فقط ".
وانظر عَقِبَ عبد المطلب في: جمهرة أنساب العرب لابن حزم (ص:١٤ ١٥)، والتبيين في أنساب القرشيِّين لابن قدامة (ص:٧٦)، ومنهاج السنة لابن تيمية (٧/٣٠٤ ٣٠٥)، وفتح الباري لابن حجر (٧/٧٨ ٧٩) .
ويدلُّ لدخول بنِي أعمامه في أهل بيته ما أخرجه مسلم في صحيحه (١٠٧٢) عن عبد المطلب بن ربيعة بن
1 / 6
الحارث بن عبد المطلب أنَّه ذهب هو والفضل بن عباس إلى رسول الله ﷺ يطلبان منه أن يُولِّيهما على الصَّدقةِ ليُصيبَا مِن المال ما يتزوَّجان به، فقال لهما ﷺ: " إنَّ الصَّدقة لا تنبغي لآل محمد؛ إنَّما هي أوساخُ الناس "، ثمَّ أمر بتزويجهما وإصداقهما من الخمس.
وقد ألْحَق بعضُ أهل العلم منهم الشافعي وأحمد بنِي المطلب بن عبد مَناف ببَنِي هاشم في تحريم الصَّدقة عليهم؛ لمشاركتِهم إيَّاهم في إعطائهم من خمس الخُمس؛ وذلك للحديث الذي رواه البخاري في صحيحه (٣١٤٠) عن جُبير بن مُطعم، الذي فيه أنَّ إعطاءَ النَّبِيِّ ﷺ لبَنِي هاشم وبنِي المطلب دون إخوانِهم من بنِي عبد شمس ونوفل؛ لكون بنِي هاشم وبَنِي المطلب شيئًا واحدًا.
فأمَّا دخول أزواجه ﵅ في آلِه ﷺ، فيدلُّ لذلك قول الله ﷿: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ
1 / 7
أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنءَايَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ .
فإنَّ هذه الآيةَ تدلُّ على دخولِهنَّ حتمًا؛ لأنَّ سياقَ الآيات قبلها وبعدها خطابٌ لهنَّ، ولا يُنافي ذلك ما جاء في صحيح مسلم (٢٤٢٤) عن عائشة ﵂ أنَّها قالت: " خرج النَّبِيُّ ﷺ غداةً وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل من شَعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمَّ جاء الحُسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمةُ فأدخلها، ثمَّ جاء عليٌّ فأدخله، ثمَّ قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ "؛ لأنَّ الآيةَ دالَّةٌ على دخولِهنَّ؛ لكون الخطابِ في الآيات لهنَّ، ودخولُ عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين ﵃ في الآيةِ دلَّت عليه السُّنَّةُ في هذا الحديث، وتخصيصُ النَّبِيِّ ﷺ لهؤلاء الأربعة ﵃ في هذا الحديث لا يدلُّ على قَصْرِ أهل بيته عليهم دون القرابات الأخرى، وإنَّما يدلُّ على أنَّهم مِن أخصِّ أقاربه.
1 / 8
ونظيرُ دلالة هذه الآية على دخول أزواج النَّبِيِّ ﷺ في آله ودلالة حديث عائشة ﵂ المتقدِّم على دخول عليٍّ وفاطمة والحسن والحُسين ﵃ في آله، نظيرُ ذلك دلالةُ قول الله ﷿: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ على أنَّ المرادَ به مسجد قباء، ودلالة السُّنَّة في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (١٣٩٨) على أنَّ المرادَ بالمسجد الذي أُسِّس على التقوى مسجدُه ﷺ، وقد ذكر هذا التنظيرَ شيخُ الإسلام ابن تيمية ﵀ في رسالة " فضلُ أهل البيت وحقوقُهم " (ص:٢٠ ٢١) .
وزوجاتُه ﷺ داخلاتٌ تحت لفظ " الآل "؛ لقوله ﷺ: " إنَّ الصَّدقةَ لا تَحلُّ لمحمَّدٍ ولا لآل محمَّد "، ويدلُّ لذلك أنَّهنَّ يُعطَيْن من الخُمس، وأيضًا ما رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه (٣/٢١٤) بإسنادٍ صحيح عن ابن أبي مُلَيكة: " أنَّ خالد بنَ سعيد بعث إلى عائشةَ ببقرةٍ من الصَّدقةِ فردَّتْها، وقالت: إنَّا آلَ محمَّدٍ ﷺ لا تَحلُّ لنا الصَّدقة ".
1 / 9
ومِمَّا ذكره ابن القيِّم في كتابه " جلاء الأفهام " (ص:٣٣١ ٣٣٣) للاحتجاج للقائلِين بدخول أزواجه ﷺ في آل بيته قوله: " قال هؤلاء: وإنَّما دخل الأزواجُ في الآل وخصوصًا أزواجُ النَّبِيِّ ﷺ تشبيهًا لذلك بالنَّسَب؛ لأنَّ اتِّصالَهُنَّ بالنَّبِيِّ ﷺ غيرُ مرتفع، وهنَّ محرَّماتٌ على غيرِه في حياتِه وبعد مَمَاتِه، وهنَّ زوجاتُه في الدنيا والآخرة، فالسَّببُ الذي لهنَّ بالنَّبِيِّ ﷺ قائمٌ مقامَ النَّسَب، وقد نصَّ النَّبِيُّ ﷺ على الصلاةِ عليهنَّ، ولهذا كان القولُ الصحيح وهو منصوص الإمام أحمد ﵀ أنَّ الصَّدقةَ تحرُمُ عليهنَّ؛ لأنَّها أوساخُ الناسِ، وقد صان اللهُ سبحانه ذلك الجَنَابَ الرَّفيع، وآلَه مِن كلِّ أوساخِ بَنِي آدَم.
ويا لله العجب كيف يدخلُ أزواجُه في قوله ﷺ: "اللَّهمَّ اجعل رزقَ آل محمَّد قوتًا"، وقوله في الأضحية: "اللَّهمَّ هذا عن محمد وآل محمد"، وفي قول عائشة ﵁: "ما شبع آلُ رسول الله ﷺ من خُبز بُرٍّ"، وفي قول
1 / 10
المصلِّي: "اللَّهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد"، ولا يَدخُلْنَ في قوله: "إنَّ الصَّدقة لا تَحلُّ لمحمَّد ولا لآل محمَّد"، مع كونِها من أوساخِ الناس، فأزواجُ رسولِ الله ﷺ أولى بالصِّيانةِ عنها والبُعدِ منها؟
فإن قيل: لو كانت الصَّدقةُ حرامًا عليهنَّ لَحَرُمت على مواليهنَّ، كما أنَّها لَمَّا حرُمت على بَنِي هاشِم حرُمَت على موالِيهم، وقد ثبت في الصحيح أنَّ بريرةَ تُصُدِّق عليها بلَحمٍ فأكلته، ولَم يُحرِّمه النَّبِيُّ ﷺ، وهي مولاةٌ لعائشة ﵂.
قيل: هذا هو شبهةُ مَن أباحَها لأزواج النَّبِيِّ ﷺ.
وجوابُ هذه الشُّبهةِ أنَّ تحريمَ الصَّدقةِ على أزواجِ النَّبِيِّ ﷺ ليس بطريق الأصالةِ، وإنَّما هو تَبَعٌ لتَحريمها عليه ﷺ، وإلاَّ فالصَّدقةُ حلالٌ لهنَّ قبل اتِّصالِهنَّ به، فهنَّ فرعٌ في هذا التحريمِ، والتحريمُ على المولَى فرعُ التَّحريمِ على سيِّدِه، فلمَّا كان التَّحريمُ على بَنِي هاشِم أصلًا استتبَع ذلك مواليهم، ولَمَّا كان التَّحريمُ على أزواجِ النَّبِيِّ ﷺ
1 / 11
تَبَعًا لَم يَقْوَ ذلك على استِتْبَاعِ مواليهنَّ؛ لأنَّه فرعٌ عن فرعٍ.
قالوا: وقد قال الله تعالى: ﴿يَا نِسَآءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ وساق الآيات إلى قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنءَايَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ﴾، ثم قال: فدخَلْنَ في أهل البيت؛ لأنَّ هذا الخطابَ كلَّه في سياق ذِكرهنَّ، فلا يجوز إخراجُهنَّ مِن شيءٍ منه، والله أعلم ".
ويدلُّ على تحريم الصَّدقة على موالِي بَنِي هاشِم ما رواه أبو داود في سننه (١٦٥٠)، والترمذي (٦٥٧)، والنسائي (٢٦١١) بإسنادٍ صحيح واللفظ لأبي داود عن أبي رافع: " أنَّ النَّبِيَّ ﷺ بعث رجلًا على الصَّدقة مِن بَنِي مخزوم، فقال لأبي رافع: اصْحَبنِي فإنَّك تُصيبُ منها، قال: حتى آتِي رسولَ الله ﷺ فأسأله، فأتاه فسأله، فقال: مولَى القوم مِن أنفسِهم، وإنَّا لا تَحِلُّ لنا الصَّدقة ".
1 / 12
الفصل الثاني: مُجملُ عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة في أهل البيت
عقيدةُ أهل السُّنَّة والجماعة وسَطٌ بين الإفراطِ والتَّفريط، والغلُوِّ والجَفاء في جميعِ مسائل الاعتقاد، ومِن ذلك عقيدتهم في آل بيت الرَّسول ﷺ، فإنَّهم يَتوَلَّونَ كلَّ مسلمٍ ومسلمةٍ من نَسْل عبد المطلِّب، وكذلك زوجات النَّبِيِّ ﷺ جميعًا، فيُحبُّون الجميعَ، ويُثنون عليهم، ويُنْزلونَهم منازلَهم التي يَستحقُّونَها بالعدلِ والإنصافِ، لا بالهوى والتعسُّف، ويَعرِفون الفضلَ لِمَن جَمع اللهُ له بين شرِف الإيمانِ وشرَف النَّسَب، فمَن كان من أهل البيت من أصحاب رسول الله ﷺ، فإنَّهم يُحبُّونَه لإيمانِه وتقواه، ولصُحبَتِه إيَّاه، ولقرابَتِه منه ﷺ.
ومَن لَم يكن منهم صحابيًّا، فإنَّهم يُحبُّونَه لإيمانِه وتقواه، ولقربه من رسول الله ﷺ، ويَرَون أنَّ شرَفَ
1 / 13
النَّسَب تابعٌ لشرَف الإيمان، ومَن جمع اللهُ له بينهما فقد جمع له بين الحُسْنَيَيْن، ومَن لَم يُوَفَّق للإيمان، فإنَّ شرَفَ النَّسَب لا يُفيدُه شيئًا، وقد قال الله ﷿: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾، وقال ﷺ في آخر حديث طويلٍ رواه مسلم في صحيحه (٢٦٩٩) عن أبي هريرة ﵁: " ومَن بطَّأ به عملُه لَم يُسرع به نسبُه ".
وقد قال الحافظ ابن رجب ﵀ في شرح هذا الحديث في كتابه جامع العلوم والحكم (ص:٣٠٨): " معناه أنَّ العملَ هو الذي يَبلُغُ بالعبدِ درجات الآخرة، كما قال تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾، فمَن أبطأ به عملُه أن يبلُغَ به المنازلَ العاليةَ عند الله تعالى لَم يُسرِع به نسبُه، فيبلغه تلك الدَّرجات؛ فإنَّ اللهَ رتَّب الجزاءَ على الأعمال لا على الأنساب، كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ﴾، وقد أمر الله تعالى بالمسارعةِ إلى مغفرتِه ورحمتِه بالأعمال، كما قال: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا
1 / 14
السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ﴾ الآيتين، وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُم مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ ".
ثمَّ ذَكَرَ نصوصًا في الحثِّ على الأعمالِ الصالِحَة، وأنَّ ولايةَ الرَّسول ﷺ إنَّما تُنالُ بالتقوى والعمل الصَّالِح، ثمَّ ختَمها بحديث عمرو بن العاص ﵁ في صحيح البخاري (٥٩٩٠) وصحيح مسلم (٢١٥)، فقال: " ويشهد لهذا كلِّه ما في الصحيحين عن عمرو بن العاص أنَّه سمع النَّبِيَّ ﷺ يقول: " إنَّ آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، وإنَّما وليِّيَ اللهُ وصالِحُ المؤمنين "، يشير إلى أنَّ ولايتَه لا تُنال بالنَّسَب وإن قَرُب، وإنَّما تُنال بالإيمان والعمل الصالح، فمن كان أكملَ إيمانًا وعملًا فهو أعظم ولايةً له، سواء كان له منه نسبٌ قريبٌ أو لم يكن، وفي
1 / 15
هذا المعنى يقول بعضُهم:
لعمرُك ما الإنسانُ إلاَّ بدينه ... فلا تترك التقوى اتِّكالًا على النَّسب
لقد رفع الإسلامُ سلمانَ فارسٍ وقد وضع الشركُ النَّسِيبَ أبا لهب ".
1 / 16
الفصل الثالث: فضائلُ أهل البيت في القرآن الكريم
قال الله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ الله أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا يَا نِسَآءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا يَا نِسَآءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَآءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا
1 / 17
يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنءَايَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ .
فقولُه: ﴿إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ دالٌّ على فضل قرابةِ رسول الله ﷺ، وهم الذين تحرم عليهم الصَّدقة، ومِن أخَصِّهم أزواجه وذريّته، كما مرَّ بيانُه.
والآياتُ دالَّةٌ على فضائل أخرى لزوجات الرسول ﷺ، أوّلها: كونهنَّ خُيِّرْن بين إرادة الدنيا وزينتها، وبين إرادة الله ورسوله والدار الآخرة، فاخترنَ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرة، ﵅ وأرضاهنَّ.
ويدل على فضلهنَّ أيضًا قوله تعالى: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾؛ فقد وصفهنَّ بأنَّهنَّ أمّهات المؤمنين.
وأمَّا قولُه ﷿: ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾، فالصحيحُ في معناها أنَّ المرادَ بذلك بطونُ قريشٍ، كما جاء بيانُ ذلك في صحيح البخاري (٤٨١٨) عن عبد الله بن عباس ﵄؛ فقد قال
1 / 18
البخاري: حدَّثني محمد بن بشار، حدَّثنا محمد بن جعفر، حدَّثنا شعبة، عن عبد الملك بن مَيسرة قال: سمعتُ طاوسًا، عن ابن عباس: " أنَّه سُئل عن قوله ﴿إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾، فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد ﷺ، فقال ابن عباس: عجلتَ؛ إنَّ النَّبِيَّ ﷺ لم يكن بطنٌ من قريش إلاَّ كان له فيهم قرابة، فقال: إلاَّ أن تَصِلُوا ما بيني وبينكم من قرابة ".
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش: لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم مالًا تُعْطُونِيه، وإنَّما أَطلبُ منكم أن تكفُّوا شرَّكم عنِّي وتَذَرُونِي أبلِّغ رسالات ربِّي، إن لَم تَنصرونِي فلا تؤذوني بِما بينِي وبينكم من القرابةِ "، ثم أورد أثرَ ابن عباس المذكور.
وأمَّا تخصيصُ بعض أهل الأهواءِ ﴿القُرْبَى﴾ في الآية بفاطمة وعلي ﵄ وذريَّتهما فهو غيرُ صحيح؛ لأنَّ الآيةَ مكيَّةٌ، وزواجُ عليٍّ بفاطمةَ رضي الله
1 / 19
عنهما إنَّما كان بالمدينة، قال ابن كثير ﵀: " وذِكرُ نزول الآية بالمدينة بعيدٌ؛ فإنَّها مكيَّةٌ، ولم يكن إذ ذاك لفاطمة ﵂ أولادٌ بالكليَّة؛ فإنَّها لَم تتزوَّج بعليٍّ ﵁ إلاَّ بعد بدر من السنة الثانية مِن الهجرة، والحقُّ تفسيرُ هذه الآية بما فسَّرها به حَبْرُ الأمَّة وتُرجمان القرآن عبدُ الله بنُ عباس ﵄، كما رواه البخاري ".
ثم ذكر ما يدلُّ على فضل أهل بيت الرسول ﷺ من السُّنَّة ومن الآثار عن أبي بكر وعمر ﵄.
1 / 20
الفصل الرابع: فضائل أهل البيت في السُّنَّة المطَهَّرة
روى مسلمٌ في صحيحه (٢٢٧٦) عن واثلةَ بنِ الأسْقَع ﵁ قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: " إنَّ اللهَ اصطفى كِنانَةَ مِن ولدِ إسماعيل، واصطفى قريشًا من كِنَانَة، واصطفى مِن قريشٍ بَنِي هاشِم، واصطفانِي مِن بَنِي هاشِم ".
وروى مسلمٌ في صحيحه (٢٤٢٤) عن عائشةَ ﵂ قالت: " خرج النَّبِيُّ ﷺ غداةً وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل مِن شَعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمَّ جاء الحُسين فدخل معه، ثمَّ جاءت فاطمةُ فأدخلَها، ثمَّ جاء عليٌّ فأدخله، ثمَّ قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ ".
وروى مسلم (٢٤٠٤) من حديث سَعد بن أبي وقَّاص ﵁ قال: " لَمَّا نزلت هذه الآيةُ ﴿فَقُلْ
1 / 21
تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ﴾ دعا رسولُ الله ﷺ عليًّا وفاطمةَ وحَسنًا وحُسينًا، فقال: اللَّهمَّ هؤلاء أهل بيتِي ".
وروى مسلم في صحيحه (٢٤٠٨) بإسناده عن يزيد بن حيَّان قال: " انطلقتُ أنا وحُصين بن سَبْرة وعمر بنُ مسلم إلى زيد بنِ أرقم، فلمَّا جلسنا إليه، قال له حُصين: لقد لقيتَ يا زيد خيرًا كثيرًا؛ رأيتَ رسولَ الله ﷺ، وسمعتَ حديثَه، وغزوتَ معه، وصلَّيتَ خلفه، لقد لقيتَ يا زيد خيرًا كثيرًا، حدِّثْنا يا زيد ما سَمعتَ من رسولِ الله ﷺ، قال: يا ابنَ أخي والله لقد كَبِرَتْ سِنِّي، وقَدُم عهدِي، ونسيتُ بعضَ الذي كنتُ أعِي من رسول الله ﷺ، فما حدَّثتُكم فاقبلوا، وما لا فلا تُكَلِّفونيه، ثمَّ قال: قام رسولُ الله ﷺ يومًا فينا خطيبًا بماءٍ يُدعى خُمًّا، بين مكة والمدينة، فحمِد اللهَ وأثنى عليه، ووعظ وذكَّر، ثم قال: "مَّا بعد، ألا أيُّها الناس فإنَّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسولُ ربِّي فأُجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثَقَلَيْن؛ أوَّلُهما كتاب الله، فيه الهُدى والنُّور، فخذوا
1 / 22