لورد إبردين
ولد سنة 1774 ودرس في مدرسة كمبردج الجامعة شأن غيره من أولاد الأشراف في بلاد الإنكليز فإنهم يدرسون في أكبر المدارس، ويأخذون العلم عن أكبر العلماء، وقد يشاركون فيه حتى يبلغوا منزلة رفيعة منه، فإن لورد إبردين هذا نال رتبة معلم في الفنون في العشرين من عمره، وهي لا تعطى إلا لمن قرن العلم بالعمل، ثم دخل مجلس الأشراف وجلس مع حزب المحافظين ثم جعل سفيرا في بلاد النمسا سنة 1813 فأتم عقد المحالفة بين إنكلترا والنمسا، وانتظم في وزارة دوق ولنتون وزيرا للخارجية وفي وزارة السر روبرت بيل واستعفى معه سنة 1846. وتألفت وزارة ممتزجة من المحافظين والأحرار سنة 1852 فقبل أن يكون رئيسا لها إجابة لطلب الملكة، فإن أحوال الملكة كانت في اضطراب شديد، واشتد الخلاف بين حزبيها فرأت الملكة أن تصلح بينهما بتأليف وزارة رجالها منهما كليهما، فتألفت تلك الوزارة وكان ذلك غاية ما تمنته الملكة كما صرحت مرارا.
ومرت الأيام ووزارة لورد إبردين مفلحة في سياستها ناجحة في أعمالها إلى أن نشبت حرب القرم واحتدمت نارها فلم يقو على احتمال شدائدها وهياج الأمة الإنكليزية بسبب ما أصاب أبناءها، واستعفى اللورد جون رسل أحد أعضاء الوزارة فأضعف ذلك عزائم اللورد إبردين فسقطت وزارته وخلفه لورد بامرستون كما تقدم، وذلك في سنة 1855، وتوفي لورد إبردين في مدينة لندن في 13 ديسمبر سنة 1860.
لورد بيكنسفيلد
هو بنيامين بن إسحاق دزرائيلي من يهود إسبانيا الذين هجروها في أواخر القرن الخامس عشر فرارا من ديوان التفتيش، لجأت عائلته إلى البندقية فأثرت فيها، ثم هاجرت إلى إنكلترا وولد فيها بمدينة لندن في أواخر سنة 1804 وختن حسب شريعة اليهود، ثم نصر ودرس علم الحقوق ليتعاطى المحاماة، وألف كثيرا من الروايات فاشتهر بها بين رجال الأدب ومال إلى السياسة، فدخل البرلمنت سنة 1837 بعد عناء شديد، ولما خطب أول خطبة فيه قابله الأعضاء بالضحك والهزء حتى إذا فرغ صبره قال لهم: «لقد شرعت في أمور كثيرة مرارا مختلفة، وكنت في الغالب أنجح فيها أخيرا، نعم إني أصمت الآن، لكنه سيأتي وقت تصغون فيه إلي.» وفي أقل من تسع سنوات جاء ذلك الوقت فأصغت البلاد كلها إلى أقواله وقاد حزب المحافظين في مجلس النواب ضد وزارة الأحرار سبع سنوات، ثم جعل رئيسا للوزراء سنة 1868 واستعفى في آخر تلك السنة، وأعطته الملكة لقب لورد بيكنسفيلد، فاعتذر عن قبوله لكي لا يحرم من الجلوس في مجلس النواب ومناضلة الوزارة، ولكنه أبقاه لزوجته وأخذ رئاسة الوزراء ثانية سنة 1874 وبقي فيها إلى سنة 1880، وهو الذي ابتاع أسهم ترعة السويس من مصر فجعل لإنكلترا المصلحة الكبرى في هذه الترعة والشأن الأعظم في القطر المصري، وهو الذي أعطى الملكة فكتوريا لقب إمبراطورة الهند، ونودي بها بلقب قيصر الهند في دلهى عاصمة ملوك المغول في غرة سنة 1877، ونودي كذلك في بمباي وكلكتا ومدراس. ولم تكن الملكة تسمع عنه في أول أمره ما يسرها؛ لأنه كان شديد الوطأة على مناظريه في مجلس النواب، وكان أولئك المناظرون من المقربين إليها، ولكن لما رأت حسن سياسته نسيت السيئات ونظرت إلى الحسنات على جاري عادتها، ولا سيما لأنه أظهر ولاءه لها على أسلوب يؤثر في النفوس وفي أوقات يصل تأثير المؤاساة فيها إلى أعماق الفؤاد، ذلك أنه لما توفيت دوقة كنت أم الملكة تكلم في مجلس النواب في صدد كتاب التعزية الذي أراد المجلس أن يبعث به إليها، فقال: «إن الفاجعة الشديدة التي فجعت بها الملكة ليس لها عندنا إلا سبيل واحد للعزاء، وهو ذكر أمانتنا للفقيدة وحبنا لها، وإن الملكة لحرية بأن ترى منا هذا الذكر المعزي المسلي، ولقد يقال إن حزن الناس يقل بارتفاع مناصبهم ولكن ذلك لا يصدق على هذه الحال؛ لأن الملكة التي تملك علينا اختارت من نفسها أن يكون بيتها مثل بيوت شعبها مع ما هي محفوفة به من مظاهر الملك والعظمة.»
ولما نشبت الحرب الأخيرة بين الدولة العلية وروسيا أخذ يناصر الدولة العلية، وبعث الأسطول الإنكليزي إلى الدردنيل لصد الروس واستدعى الجنود الهندية إلى مالطة، وطلب من مجلس النواب ستة ملايين من الجنيهات تأهبا للحرب، وحضر مؤتمر برلين مع اللورد سلسبري وعقد معاهدة برلين المشهورة واحتل قبرص. ثم نشبت حرب الأفغان وحرب الزولو، ولا يسعنا المقام لوصف ما حدث في هاتين الحربين من الويلات، وإنما نكتفي بالإلماع إلى حرب الزولو وقتل البرنس إمبريال ولي عهد نبوليون الثالث لما ظهر فيه من عواطف الملكة، فإن هذا البرنس كان يدرس في المدرسة الحربية الإنكليزية بولج، فلما نشبت حرب الزولو ذهب إليها متطوعا وأمر رؤساؤه ألا يدعوه يقتحم المخاطر، وذهب يوما للاستطلاع مع قليل من الجنود، وبينا كانوا جالسين يطعمون خيلهم، ويرسمون شكل البلاد فاجأهم الزولو وقتلوه، وكان ذلك في غرة يونيو سنة 1879، ولما بلغ نعيه الملكة انقض عليها كالصاعقة، وقد كتبت في هذا الصدد تقول: «قرع برون الباب ودخل ، فسألته: ما الخبر ؟ قال: شر. قلت: وما هو؟ قال: قتل البرنس الفرنسوي. فلم أفهم مراده، وكررت السؤال عليه، وحيئنذ دخلت بيترس (ابنتها) وبيدها تلغراف وهي تقول: وا حسرتاه! فقد قتل البرنس إمبريال، وإني أكتب هذه الكلمات الآن وأعضائي ترتعش، وللحال مسكت رأسي بيدي وقلت: كلا كلا! ذلك ضرب من المحال وأعولت في البكاء، وكانت بيترس تبكي بجانبي والتلغراف بيدها فأعطتني إياه.
وا حسرتاه عليك! وا لهفتاه عليك أيتها الإمبراطورة العزيزة! ولدك الوحيد الوحيد يا للمصيبة! ضاع رشدي ولم أعد أفتكر بأمر آخر، وا مصيبتاه! كلما فكرت في هذا المصاب زادني هما وغما، وقد شملتنا الدهشة كلنا فلم أنم حتى الفجر.»
ويقال إن الحكومة الإنكليزية أخطأت في قبول هذا البرنس بين جنودها، ولكن إذا وقع القدر بطل الحذر.
واشتدت المجاعة في بلاد الهند وساءت أحوال التجارة، فعلت شكوى الناس ونقموا على الوزارة حتى إذا جرت الانتخابات العمومية سنة 1880، كانت الأكثرية من حزب الأحرار فاستعفى اللورد بيكنسفيلد وجلس في مجلس الأعيان، وتوفي في السنة التالية في التاسع عشر من أبريل، فحزنت عليه الملكة حزنا شديدا وسار أولادها الثلاثة؛ برنس أوف ويلس ودوق كنوت والبرنس ليوبولد في جنازته، ووضعوا على نعشه إكليلين من الأزهار بعثت بهما الملكة أولهما من زهر البرمروز وكان مولعا به، وكتبت عليه «جزية المحبة من الملكة فكتوريا.» ثم زارت قبره هي وابنتها البرنسس بيترس ووضعتا عليها إكليلا آخر، واشتركت البلاد الإنكليزية كلها في الحزن على هذا الوزير العظيم، وحتى الآن يغطي تمثاله بأزهار البرمروز في التاسع عشر من أبريل تذكارا لوفاته، ويلبس الناس أزهار هذا النبات يومئذ تذكارا لذلك، وألفت جمعية سياسية سميت باسم هذا الزهر تذكارا له أيضا.
لورد روزبري
অজানা পৃষ্ঠা