189

ثبوتهما بالدليل اللبي وهذا واضح ، ثم إن محل النزاع هو ما إذا كان أحد العنوانين من حيث هو مشتملا على مقتضى الوجوب من دون نقص ، والآخر من حيث هو مشتملا على مقتضى الحرمة من دون نقص ، فيقع النزاع في أن هذين الحكمين الحيثيتين هل يمكن فعليتهما معا أولا ، فالصلاة في الدار المغصوبة ليس حالها حال الصلاة بدون الطهارة حتى عند المانع.

ألا ترى أن الاولى صحيحة مع نسيان الغصب والجهل به ، والثانية باطلة مع نسيان الطهارة أيضا ، ووجه ذلك أن المقتضي في الثانية ناقص ؛ لفقدها شرطا شرعيا فلا يصح في حال من الأحوال ، وفي الاولى تام والمانع من مقربيتها مبعدية العنوان المتحد معها ، فإذا زال مبعديته بالنسيان أو الجهل كانت الصلاة مقربة.

وبالجملة فلا مانع من الفعلية من قبل نفس العنوان بما هي هي ، بل المانع لو كان فإنما هو منع العقل من اجتماع الفعليتين لمكان التضاد ، فإذا أثبتنا عدمه أيضا كان ترتب الأثر أعني الوجوب الفعلي والحرمة الفعلية على المقتضيين حينئذ بطريق القهرية ، فلا وجه للقول بالجواز عقلا والامتناع عرفا ؛ إذ لا معنى لمحكمية العرف في هذا المطلب القهري.

الخامس : لا إشكال في عموم هذا النزاع للوجوب والحرمة الغيريين كالنفسيين وكذا المختلفين ؛ لأن التضاد بين المحبوبية والمبغوضية غير مختص بصورة كون كليهما نفسيا وهذا واضح ، فلا مدخلية لقيد النفسية فيما هو ملاك كلام المانع أصلا.

وأما التخييريان فيمكن منع جريان النزاع فيهما والقول بجواز اجتماعهما في الشيء الواحد بوجه واحد فضلا عن الواحد بوجهين ، فالأول كما إذا قال المولى : أكرم إما زيدا وإما عمروا ولا تكرم أحدهما ، وكما إذا قال : أكرم إما زيدا وإما عمروا ، لا تكرم إما عمروا وإما بكرا ، فإن كل واحد من إكرام زيد وعمرو في المثال الأول وإكرام عمرو في المثال الثاني طرف للوجوب التخييري وللحرمة التخييرية ، وواضح أنه بوجه واحد ، والثاني إذا أمر بالصلاة والصوم تخييرا ونهى عن التصرف في دار زيد والتكلم مع عمرو كذلك ؛ فإن الصلاة في هذه الدار لها حيثيتان

পৃষ্ঠা ১৯২