ثم اعلم أن لكل حجة من هذه الحجج أصلا وفرعا، والفرع مردود إلى أصله، لأن الأصول محكمة على الفروع، فأصل المعقول ما أجمع عليه العقلاء ولم يختلفوا فيه، والفرع ما اختلفوا فيه ولم يجمعوا عليه. وإنما وقع الاختلاف في ذلك لاختلاف النظر، والتمييز فيما يوجب النظر، والإستدلال بالدليل الحاضر المعلوم، على المدلول عليه الغائب المجهول. فعلى قدر نظر الناظر واستدلاله يكون دركه لحقيقة المنظور فيه، والمستدل عليه، فكان الإجماع من العقلاء على ما أجمعوا عليه أصلا وحجة محكمة على الفرع الذي وقع الاختلاف فيه.
وأصل الكتاب فهو المحكم الذي لا اختلاف فيه، الذي لا يخرج تأويله مخالفا لتنزيله. وفرعه المتشابه من ذلك فمردود إلى أصله الذي لا اختلاف فيه بين أهل التأويل.
وأصل السنة التي جآءت على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ما وقع عليه الإجماع بين أهل القبلة، والفرع ما اختلفوا فيه عن الرسول. فكل ما وقع فيه الإختلاف من أخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو مردود إلى أصل الكتاب والعقل والإجماع.
وقد أنكرت الحشوية من أهل القبلة رد المتشابه إلى المحكم، وزعموا أن الكتاب لا يحكم بعضه على بعض، وأن لكل آية منه ثابتة واجب حكمها بوجوب تنزيلها وتأويلها، ولذلك ما وقعوا في التشبيه، وجادلوا عليه، لما سمعوا من متشابه الكتاب، فلم يحكموا عليه الآيات التي جآءت بنفي التشبيه.
فاعلم ذلك، فإن هذه جملة من معرفة المعبود والتعبد والعبادة، ومعرفة الحجج التي وجب التعبد على جميع المكلفين.
ثم نعود إلى تفسير هذه الجملة وشرحها، وتبيين عللها وما تكمل به المعارف من تقسيمها، فأول ما نذكره من ذلك معرفة الله عز وجل، وهي عقلية منقسمة على وجهين: وهي إثبات ونفي، فالإثبات هو اليقين بالله والإقراربه، والنفي هو نفي التشبيه عنه تعالى وهو التوحيد.
وهو ينقسم على ثلاثة أوجه:
পৃষ্ঠা ৩৫৯