38
وإن اكتشاف المرأة للزراعة نقطة مهمة تماما وضعتها الصدفة ضمن رصيدها للسيادة، ومع هذه النقطة أقف بقارئي هنيهة لأضع أمامه اقتراحا يحل مسألة أيهما كان أولا: النظام الأمومي أم الأبوي؟ أبدؤها برفض هذا السؤال من أساسه، فالخطأ الذي أدى إلى إجابات متضاربة هو السؤال نفسه، ففي رأيي أنه لم يكن هناك قبل أو بعد، ولا سابق أو لاحق، بل أزعم - وأرجو ألا أكون مخطئا - أن اختلاف النظامين هو اختلاف بين مجتمعين، هو اختلاف مكاني وليس اختلافا زمنيا، فإذا كانت المرأة هي مكتشفة الزراعة في مجتمع أمومي، فلا بد أن يكون النظام الأمومي قد ارتبط بالوسط الزراعي، وسيكون الشق الآخر الذي يتبادر للذهن فورا هو: أن النظام الأبوي قد نشأ في وسط رعوي بدوي. (7) تدعيم مذهبنا
تقول «ميد
Mead » مقولة اعتيادية تماما، وهي أن النساء بفضل قدرتهن على الإنجاب، ولأن مسألة الولادة كانت في عيني الإنسان البدائي مثيرة للدهشة والعجب (وربما الانبهار المؤدي للتقديس)؛ مما أدى إلى الاعتقاد بأن النساء قابضات على أسرار الحياة.
39
ونضيف إلى «ميد»: إذا كانت الولادة في مجتمع أمومي يأتي فيه أي رجل أية أنثى، فإن ذلك لا يعطي للذكر فرصة ملاحظة أثره أو دوره في عملية الإنجاب، إضافة إلى أن الفترة الطويلة الفاصلة بين الجماع وبين الولادة، قد تخفى بسهولة عن عين الإنسان البدائي غير المدققة للعلاقة بين الأمرين، كما أن معيشة الأولاد والبنات معا لدى البدائيين دون عائق قبل المراهقة، فيعرفون الجماع الذي لا يتسبب عنه ولادة، كل هذا أدى إلى عدم معرفتهم للعلاقة بين المضاجعة والتناسل؛ ومن ثم عدم التفكير بالمرة أن للذكر دورا في عملية الميلاد، بل إن هناك من يعتقدون حتى اليوم في بعض المجتمعات المتخلفة التي تحيا حياة شبه بدائية، أنه يمكن للمرأة الحمل دون رجل يأتيها، بل وتدخل هذه الفكرة الخاطئة تماما كأساس في بعض الديانات الكبرى القائمة إلى الآن؛ لذلك كان طبيعيا أن يتصور الإنسان البدائي أن الأنثى وحدها هي الكائن الوحيد المسئول عن منح الحياة.
هذا مع الأخذ بالحسبان ما أشارت إليه «هوكس» عن أن أول تماثيل معبودة وجدت كانت لنساء ولادات، إضافة إلى أسطورة «الشعير والنعجة» السومرية، التي تقول: إن البشر قد خرجوا من الأرض الأم كالزرع والحشيش والدود.
40
وهذا (خروج الزرع من الأرض، وخروج الوليد من بطن الأم) هو ما حدا بالعقل إلى تأليه الأرض واعتبارها الأم الأولى الكبرى التي أنجبت الزرع والحيوان والإنسان، وناداها ماما ومامي، ولا ننسى أن اكتشاف المرأة للزراعة ومفاجأتها للرجال القناصين بهذه القدرة العجيبة، زاد من ارتباطها بالأرض ومن رصيدها الخطير (منح الحياة أو إنجاب الحياة أو إنتاج الحياة)، حتى أصبح ذلك اختصاصا أنثويا بحتا، ومن الطبيعي والمنطقي تماما ألا يحدث هذا إلا في وسط زراعي مائة بالمائة.
وللمزيد من أجل تدعيم رؤيانا، نحث الخطى نحو عهد قريب لا يزيد على خمسة آلاف عام مضت، إلى منطقة الهلال الخصيب (الرافدين، سوريا، لبنان، فلسطين)، حيث قامت هناك كيانات زراعية انتهت بسيطرة الرعاة المهاجرين من الجنس السامي، فيما يسمى بالهجرات السامية، التي بدأت في هيئة تغلغل تدريجي أدى إلى سيادتهم النهائية على المنطقة، فحل «الأكاديون» الرعاة محل «السومريين» المزارعين، وانتهت بقية الهلال الخصيب إلى الوقوع تحت سيطرة «الكنعانيين» وأقربائهم. وقد احتفظت لنا هذه الحضارات بسجل واضح في ملاحمها الأسطورية، لما يمكن أن نعتبره صدى لواقع حقيقي حدث فعلا يتناغم مع رؤيتنا تناغما بينا.
অজানা পৃষ্ঠা