25
ورغم كون «إبليس» في الآيات ملاكا عاصيا، إلا أن آيات أخرى تقرر أنه كان من الجن:
فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه (الكهف: 50). أما كيف كان جنيا، فهي نقطة أخرى سنتطرق إليها بالمعالجة في مكان آخر من هذه الدراسة.
وسواء أكان ملاكا عاصيا أم جنيا، فهو في الإسلام - بدوره - شخصية ذات قدرات هائلة، في ضوء عصيانه لله، وهو يعرف كيان هذا الإله وقدراته، وعليه يصبح لدينا - في الإسلام - إله للخير، وإبليس للشر. ونتيجة هذا الفهم لإبليس، نسب إليه الكثير من الشراح والمفسرين والفقهاء أعمالا خارقة لا يستطيعها المخلوق. حتى قال د. الجوزو: «وكما أن لإبليس خصم الله الألد جنوده، يبدو أن الملائكة وبعض الجن الطيبين أنصار لله وعبيد له، يساعدون الناس في عمل الخير. ولعل هذا ما حدا بالدكتورين «إبراهيم بدران وسلوى الخماش» أن يلاحظا أن ما نسب إلى إبليس من قوة وجبروت، يبلغ من الضخامة ما يجعله موازيا في التصور الوهمي - للإنسان - جبروت الله».
26 (10) الشيطان جنيا
يبدو لنا أن تحول «إبليس» من إله للشر إلى ملاك عاص إنما يعود إلى نزوع العقل البشري خلال هذه القرون الطويلة نحو التوحيد، ونعتقد أنه كان لليهود دور لا يغفل في ذلك، إبان الأسر البابلي. فقد نقلوا - فيا يرى معظم الباحثين - جل آلهة الرافدين معهم إلى فلسطين، وعلى رأسهم الإله الجبار «إيل» وأتباعه من الآلهة التابعة، والذي ينتسب إليه «عزرا-إيل، وميكا-إيل، وإسراف-إيل ... إلخ». وأضافوا إليها عددا من الآلهة الفرعونية والكنعانية في مراحل تاريخهم التالي، ويبدو أنه مع اتجاههم نحو تمجيد إلههم القومي «يهوه»، الذي أدخل عبادته بينهم «موسى» النبي - عليه السلام - وتفضيله دون غيره عن بقية الآلهة، عز عليهم أن يتركوا هذا الجم الغفير من الآلهة باعتباره ثروة وتراثا قوميا بدوره، فحولوها من آلهة إلى أتباع للإله القومي «يهوه»، واعتبروها أقل منه شأنا.
وقد تأسس استنتاجنا هنا على إشارة من «ديورانت» إلى احتمال أن يكون اليهود قد صاغوا ملائكتهم من حشد الآلهة القديم.
27
ومن ثم نصادق على استنتاجنا بأن هذه الآلهة العديدة ظلت تحمل الطابع الإلهي هو هو لم يتغير. فهي مثل الإله نورانية التكوين، وهي مثله خالدة ولها قدرات كقدراته، ولها أجنحة آلهة الرافدين. ويؤيد ذلك أنه ما زال بعض تماثيلها المجنحة قائما في العراق إلى اليوم، وبما أنها أصبحت تابعة للإله الأكبر أو من أملاكه. فقد أطلق عليها اللسان العبري، الملائكة
Mal’akh . ولدينا أيضا الإله الجبار «إيل» وهو أعظم الآلهة القديمة شأنا لدى جميع الشعوب الرافدية الأصل ولدى اليهود بشكل خاص، الذي أخذ وضعه اللائق بين الآلهة المساعدة أو الملائكة، فأصبح كبيرها وسيدها باسمه القديم الإله الجبار إيل «جبرا إيل، أو جبريل»، وقد تخلقت الكلمة جبرا بمعنى الجبروت والقوة في كل اللغات السامية عن النطق الرافدي بما في ذلك اللغة العربية.
অজানা পৃষ্ঠা