حيث عبد الفينيقيون عشتار كما عبدها الرافديون، ممثلة في كوكب الزهرة، ولما كان الفينيقيون قوما بحريين يعتمدون في حياتهم على التجارة البحرية، فقد اتخذوا من الزهرة أو «عشتار» أو «بارات» أو «ستلا ماريا» أو «ماريا» كوكبهم المعبود، بل إن «ماريا» هو الاشتقاق اللاتيني للماء الطاغي أو البحر الهادر أو الطوفان.
وبالعودة إلى الجزائري يقول: «عن أبي الحسن ... أن الله أوحى إلى الجبال إني واضع سفينة على جبل منكن في الطوفان فتطاولت وشمخت، وتواضع جبل بالموصل يقال له الجودي، فمرت السفينة تدور في الطوفان على الجبال كلها حتى انتهت إلى الجودي، فوقفت عليه، فقال لنوح: بارات قني، بارات قني، يعني اللهم أصلح، اللهم أصلح. وفي حديث آخر: أنه ضرب جؤجؤ السفينة الجبل، فخاف عليها قال: يا ماريا أتقن، يعني رب أصلح، وفي حديث آخر أنه قال: يا رهمان أتقن، وتأويلها يا رب أحسن ... وفي عيون أخبار الرضا، قال: «إن نوحا ... لما ركب السفينة أوحى الله إليه: يا نوح إن خفت الغرق فهللني ألفا ثم سلني النجاة أنجيك من الغرق ومن آمن معك، فلما استوى نوح ومن معه في السفينة ورفع القلص عصفت الريح عليهم، فلم يأمن نوح من الغرق، فأعجلته الريح فلم يدرك أن يهلل ألف مرة فقال بالسريانية: هلوليا ألفا ألفا، يا ماريا أتقن، فاستوى القلص وجرت السفينة».»
49
وإن النداء «هلوليا» كان نداء معروفا ومستعملا في الأناشيد الطقسية لآلهة الخصب القديمة، وكانت رمزا لعبادة «ديونسيوس» النسخة الرومانية لتموز الرافدي زوج عشتار، ونسخة من حداد صاحب الأمطار والرعود والبروق، و«هلوليا» من بالإيلوليين، والنداء مركب من شقين: الأول هر «إيل» وهو اللفظ السامي الدال على الإله. أما الثاني فهو احتمالا من السومرية
A-U
أي السائل المخصب الأصل «ريلوليو
Eieleu » حتى عرف عباد «ديونيسيوس» نسبة لهذا النداء، وهو خاصة «حداد» صاحب الرعود والبروق والصواعق والسيول.
50
ونعود - منعا للتشتت - إلى موضوعنا ورؤيتنا، وزعمنا أن العبريين قد استلبوا تراثنا وحشوه بما يلزم، ثم أعادوا تصديره إلينا مرة أخرى ملحقا بما يحقق الأغراض المرصودة.
فهذا «نوح» التوراتي يهبط من سفينته ومعه أولاده الثلاثة «سام، وحام، يافث» ومن نسلهم تأتي شعوب الأرض، وحسب التصنيف التوراتي فإن «سام» سيخلف ذرية من أهل البوادي الرعاة، الذين سينسلون بني عابر المباركين، أما «حام» فسينجب ولدين ينسلان شعبين، الأول هو «مصرايم» أبو المصريين، وأهل السودان ... كل ذوي البشرة السوداء حتى الكوشيين أو الأحباش، والثاني هو «كنعان» أو الكنعانيين سكان فلسطين (التكوين، 10)، ولعله من الواضح أن الرجل وهو يدون، قد اتخذ لجده البعيد اسما من جذر السمو «سام»، وحط بأهل النيل وفلسطين في طين الأرض وحمئها «حام»، فهو من جذر الحمو والحمأ، وربما ربط الكاتب بين الحمو واسوداد الطين واسوداد البشرة. كما أن الحمأ هو طين الأرض الحارة الخصبة. وتصل الإضافات التوراتية إلى هدفها حين تقول: «وابتدأ نوح يكون فلاحا، وغرس كرمه وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه، فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجا، فأخذ سام ويافث الرداء، ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء، وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء، فلم يبصرا عورة أبيهما، فلما استيقظ نوح من خمره علم بما فعله ابنه الصغير، فقال: ملعون كنعان، عبد العبيد يكون لإخوته، وقال: مبارك الرب إله سام، وليكن كنعان عبدا لهم» (التكوين، 9: 20-26).
অজানা পৃষ্ঠা