15
فإنه حينئذ كان يعلم أنه لم يكن بذلك الاضطهاد والقتل يزيد عدد المؤمنين بل كان ينقص عدد الرجال اللازم بقاؤهم، واستمالتهم للدفاع عن السلطنة، ويربي في قلب السلطنة عدوا شديدا لها. وهذا الأمر لازم دائما عن المظالم والاضطهادات الدينية.
ولو كان الخطب من هذا الوجه فقط لكان هينا؛ بل كان هناك خطب أشد. فإن الأديرة غصت بالرهبان والشبان الهاربين من تنازع الحياة؛ لأن الرهبانية تضمن رزق الراهب وتعطيه السيادة بثمن بخس، ولرغبة الرهبانيات في السيادة المطلقة كانت تتخذ السياسة الدينية آلة لمحاربة البطاركة والإمبراطرة، والذي جعل لهم هذه القوة صرفهم الشعب إلى ظاهر الدين عن باطنه وتحريضه على عبادة الصور والأيقونات
16
فشغف الشعب بهذه العبادة شغفا ما بعده شغف، وكلما قويت شهوته هذه زادت سلطة الرهبان عليه، وسواء كانت هذه العبادة عبادة أو إكراما فإن الشعب انصرف إليها عن باطن الدين، وصار عنده الفضل في تقديس الأيقونات لا في فضائل النفس ومكارم الأخلاق، والذي زاد تمسك الشعب بهذا النوع من الظواهر الدينية انطباع البشر على حب الفنون، وتمثيل هذه الفنون لهم الأشخاص والرجال الكرام الذين يحبونهم. فلما قام بعض الإمبراطرة لمقاومة الأيقونات والصور اعتبر الرومان أن هذه المقاومة موجهة إليهم،
17
وكان الإمبراطرة ينسبون أولئك الرهبان إلى «الوثنية» وأولئك الرهبان ينسبون الإمبراطرة إلى السحر، وكانوا يشيرون إلى الكنائس التي أزال منها الإمبراطرة الصور والأيقوات، ويقولون لهم: إن حكامهم لم يفعلوا بها هكذا إلا لكي يعبدوا فيها الشيطان
18
فكان الشعب يهيج لذلك أشد هياج، ويعتقد أن من واجباته خلع حكامه، ولم يكن هناك ملوك يتخذون الطريق الوسط، ويسكنونه بتخفيف استعمال الصور والأيقونات بدل حذفها وإظهار الغرض الحقيقي منها، ولذلك كان النزاع الشديد مستمرا بين الفريقين، وكثيرون من البطاركة والأساقفة انتصروا للإمبراطرة على الرهبان؛ لأن الرهبان كانوا ينازعونهم كل سلطة وسيادة، وكان هؤلاء يغتنمون كل الفرص لرفع شأنهم لدى الشعب بالتزلف إليه وإسقاط مزاحميهم، ولما كانت تعاد الصور والأيقونات إلى الكنائس كان شأنهم يرتفع عند الشعب ارتفاعا عظيما، وهكذا بلغوا بسذاجة الشعب أسمى درجات السلطة، وطردوا باقي الإكليروس منها، وصاروا مملكة في المملكة حتى إن الإمبراطرة كانوا يضطرون للدفاع عنهم.
19
অজানা পৃষ্ঠা