Unveiling the Lies in Abu Ghuddah's 'Words'
كشف النقاب عما في «كلمات» أبي غدة من الأباطيل والافتراءات
সংস্করণের সংখ্যা
الثانية
প্রকাশনার বছর
١٣٩٨ هـ - ١٩٧٨ م
জনগুলি
كشْف النّقاب
عمّا في كلمات أبي غدّة منَ الأباطيل والافتراءات
بقلم
محمد ناصر الدين الألباني
1 / 1
الطبعة الأولى ١٩٧٥ - ١٣٩٥
الطبعة الثانية ١٩٧٨ - ١٣٩٨
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تقديم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ﷺ تسليمًا كثيرًا.
أما بعد فإن من المصائب الكبرى في العصر الحاضر أن يضطر المسلم الطالب للعلم إلى إضاعة كثير من وقته في الدفاع عن نفسه، ورد التهم والأباطيل عن شخصه التي ألصقها به بعض الناس ممن لا يخشون الله ولا يستحيون من عباد الله، مصداقًا لقوله ﷺ: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ
1 / 3
فاصنع ما شئت». ومنه قول الشاعر:
إذا لم تصن عرضًا ولم تخشَ خالقًا ... وتستحي مخلوقًا* فما شئت فاصنع
إذا كنت تأتي المرء تعظم حقه ... ويجهل منك الحق فالصّرم أوسع
وإذا كان من المعلوم أن من لا حياء له لا دواء له، فلا تنفع فيه المعاتبة، كان من المتبادر أن الأولى الانصراف عنه، وتركه وشأنه كما قال الشاعر:
إذا رزق الفتى وجهًا وقاحًا ... تقلب في الأمور كما يشاء
ولم يَكُ للدواء ولا لشيء ... يعالجه به فيه غَناء
فما لك في معاتبة الذي لا ... حياء لوجهه إلا العناء
بيد أنه لما كان السكوت عن مثله، يعرِّض كثيرًا من الأبرياء للانزلاق من ورائه، والتأثر بتهمه وأباطيله، كان لا بد من الرد عليه، والكشف عن افتراءاته، ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾. وفي ذلك فائدة أخرى تعود إلى الباهت نفسه ألا وهي: احتمال أن يعود إلى رشده، والتقليل من أوزاره، من جراء تقليل عدد المتورطين المضللين به الذين سوف يحمل هو أوزارهم فوق أوزاره الخاصة به كما قال تعالى:
﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ، وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾. وفي الآية الأخرى: ﴿لِيَحْمِلُوا
_________
* (مخلوقًا) سقطت من الطبعة الثانية، واستدركتها من الطبعة الأولى للكتاب. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
1 / 4
أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾.
ولعل في هذا تذكرة وإقناعًا للذين لا تروقهم مثل هذه الردود مطلقًا، ويتمنون أنه لو صرفت مثل هذه الجهود إلى نواحٍ علمية مجردة عن المناقشة والأخذ والرد، وغالبهم ليس عندهم الروح العلمية التي تساعد على تبيّن الحقيقة مما اختلف فيه الناس، ثم على التمسك بها والدعوة إليها.
ونحن وإن كنا مع هؤلاء فيما يتمنّون، فيجب أن يتذكروا أن كثيرًا ما تجري الرياح بما لا يشتهي الملاح كما قال الشاعر:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
وأيضًا فإنه ليس من صفات المؤمنين أن يسكتوا على البغي والظلم، والبهت والكذب الذي يلصق بهم، وهم يجدون وسيلة مشروعة لدفعه ورده على صاحبه، خلافًا لما يُعْزى لسيدنا عيسى ﵇ ويسميه النصارى بالآية الذهبية:
«من ضربك على خدّك الأيمن فأدر له الخد الأيسر، ومن طلب منك كساءك فأعطه رداءك، ومن طلب منك تمشي معه ميلًا فامش معه ميلين»! فليس في الإسلام شيء من هذا بل هو على إطلاقه يعارض القرآن الكريم في بيان بعض صفات عباد الرحمن المؤمنين التي منها ما أفادته الآية الكريمة: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ • وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
1 / 5
الظَّالِمِينَ • وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ • إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
فإن لم يكن في كل ما تقدم مما يقنع أولئك الناس، فلا أقل من أن يعتبر ذلك عذرًا لي، فقد قيل: ليس من العدل سرعة العذل. وقال الشاعر:
تأنّ ولا تعجل بلومكَ صاحبًا ... لعل له عذرًا وأنت تلوم
بل لقد كان الواجب عليهم أن يعودوا على الجائر الظالم باللوم والإنكار وردعه عن ظلمه، وأن ينتصروا للمظلوم لقوله ﵊: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، قيل: * كيف أنصره ظالمًا؟ قال: تحجزه عن الظلم، فإن ذلك نصره». وفي حديث آخر: «لِينصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا: إن كان ظالمًا فلينهه فإنه له نصرة، وإن كان مظلومًا فلينصره»، وقوله: «ما من امرئ يخذل امرءًا مسلمًا في موطن يُنقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلمًا في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته» (١).
وعلى كل حال فمن المعلوم أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، كما جاء في بعض الأمثال:
ما قرعت عصا على عصا، إلا حزن لها قوم، وسرَّ
_________
* (قيل) سقطت من الطبعة الثانية، واستدركتها من الطبعة الأولى للكتاب. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
(١) صحيح الجامع الصغير (٥٥٦٦).
1 / 6
لها آخرون. وقال الشاعر:
ولست بناج من مقالة طاعن ... ولو كنت في غار على جبل وعر
ومن ذا الذي ينجو من الناس سالمًا ... ولو غاب عنهم بين خافيتي نسر
وإذا كان الأمر كذلك فحسبي أنني سألتزم في ردي هذا حدود الشرع فلا أقابل الباغي بشيء من البغي، والباهت بشيء من البهت، وإنما سأصفه بما فيه كي يحذره الناس فلا يضلوا بضلاله، ولا ينحرفوا بانحرافه عن كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، لا سيما من كان منهم حديث صلة به، قد اغتر بمظهره ولا علم عنده بحقيقة أمره كما قال الشاعر:
لا يغرنْك صديق أبدًا ... لك في المنظر حتى تخبرُه
كم صديق كنت منه في عمى ... غرّني منه زمانًا منظره
كان يلقاني بوجه طلق ... وكلام كاللآلي ينشره
فإذا فتّشته عن غيبه ... لم أجد ذاك لوجد يضمره
فدع الإخوان إلا كل من ... يضمر الود كما قد يظهره
فإذا فزت بمن يجمع ذا ... فاجعلنه لك ذَخرًا تذخره
1 / 7
وقديمًا قال العلماء:
القدح ليس بغيبة في ستة ... متظلّم ومعرّف ومحذر
ومجاهر فسقًا ومستفت ومن ... طلب الإعانة في إزالة منكر
وخصلة واحدة من هذه الخصال كافية لتجويز مثل هذا الرد، فكيف، وقد انضم إليها غيرها، وبخاصّة الأولى منها، ودليلها قول الله ﵎:
﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾.
وقوله ﷺ: «لَيُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته» (١)
وقال الشاعر:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ... مضر كوضع السيف في موضع الندى
أسأل الله ﵎ أن يعصمنا من الظلم وغمص الناس بغير حق، وأن يجعل ما أكتبه دفاعًا عن سنة النبي ﷺ ونهج السلف الصالح، إنه سميع مجيب.
محمد ناصر الدين الألباني
_________
(١) صحيح الجامع الصغير (٥٣٦٣).
1 / 8
توطِئَة
تعرفت على الشيخ عبد الفتاح «أبو غدة» في بلده (حلب) منذ أكثر من عشرين سنة تقريبًا. وقد عرفت فيه رجلًا متعصبًا للمذهب الحنفي تعصّبًا أعمى في درس له في مسجده في حلب قرر فيه جواز التداوي بالخمر بإرشاد طبيب حاذق مسلم. فقلت له: هذا لا يكفي بل لا بدّ أن يكون عالمًا بالسنة. ففي السنة مثلًا وصف الخمر بأنها داء وليست بدواء. فكيف يعقل لطبيب مسلم عالمٍ بشرعه أن يصف دواء وصفه نبيّه ﷺ بأنه داء؟ ! فقال: لعل الحديث ضعيف لا يصح! قلت: كيف وهو في «صحيح مسلم» (١) فقال: نراجع لنتأكد من ذلك. فقال له أحد الحاضرين وهو صديق للفريقين: فإذا تأكدت من صحته أتأخذ به أم بالمذهب؟ فقال: بالمذهب! وتأكدت بعد من تعصبه الشديد مما كان يبلغني من حملاته في خطبه ودروسه على السلفية والدعاة إليها، ومن أجل ذلك كان بعض إخواننا في حلب يسعى حثيثًا لعقد اجتماعات بيني وبينه لمناقشته في تعصبه على السنة وشرح الدعوة له. فكان لا يستجيب لأي اجتماع يدعى إليه ولو على الانفراد.
_________
(١) كتاب الأشربة تحريم التداوي بالخمر (٦/ ٨٩ - استانبول).
1 / 9
اللهم إلا على طعام! ولكنه لا يفسح المجال لأي بحث حول الدعوة السلفية بل يطعم ثم ينصرف! وهو مع ذلك مستمر في الغمز واللمز والتشهير شأنه في ذلك كشأن غيره من الخطباء الجهلاء الحاقدين.
ثم أخذت الأيام والسنون تمضي، فإذا بأبو غدة يعين مدرسًا في كلية الشريعة في الرياض، وفي العطلة الصيفية كان يقضيها في لبنان، ويتردد كثيرًا على بيت ومكتبة أخينا الأستاذ زهير الشاويش، وصديقه يومئذٍ، فكنت ألتقي معه فيها أحيانًا وهو مصرٌّ على موقفه السابق من الامتناع عن الدخول في أي نقاش أو بحث على الرغم من توسط الأستاذ زهير ودفعه إياه لقبول البحث، ولكن عبثًا، ولقد كان من سياسة الأخ زهير وحكمته يومئذ معه أنه كان يقدمه أحيانًا ليصلي بنا، ليريه عمليًّا أن ما يشيعه هو وأمثاله من التكفير باطل، بدليل صلاتي خلفه، مع أن صلاته مخالفة للسنة الصحيحة في كثير من أحكامها! وكان يبدو عليه الاغتباط بهذا التقديم، فيتقدم دون أي تردد أو اعتذار أو تقديم منه لغيره! كأنه لا يريد بالمقابل أن يثبت لنا أنه يرى صحة صلاته خلف هذا الذي يصلي خلفه! !
وبينما كانت ظواهر الأمور تدل على أن أبو غدة في الآونة الأخيرة رجل مسالم إلى حد أنه يفرّ من الدخول في مناقشة علمية هادئة، بله مخاصمة مذهبية حامية، قانع بتعصّبه «لإمام الأئمة، ومقدَّم الأمة أبي حنيفة ﵁ ...».
إذا به يكشف عن أن «تحت جلد الضأن قلب الأذؤب» وأن «الطبع غلب التطبع»! فقد عاد إلى القيام بحملة
1 / 10
شديدة من التهويش والتشنيع عليّ في المملكة العربية السعودية موطن وظيفته، ولبنان بلد مصيفه وذلك:
١ - ما أذاعه من الزور، وأشاعه من البهت هنا وهناك حتى بلغ مسامع بعض الطلاب المسلمين في أوربا أن الألباني يطعن في المذاهب الأربعة وبخاصة المذهب الحنفي في تعليقه على كتاب «مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري»، وليس فيه سوى قولي: «إن عيسى ﵇ يحكم بشرعنا ...» مما سيأتي شرحه مع الرد عليه، فإن أبو غدة لم يقنع بإشاعة ذلك بلسانه، حتى كتبه بقلمه (١) فهو بذلك كلابس ثوبي زور: وكان طبع المختصر سنة ١٣٨٨.
٢ - افتراؤه علي تلويحًا وتصريحًا بأني من الشانئين المبغضين للإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، واتّهمني بالتعصب عليه ﵀ وبالخيانة العلمية في ترجمته، وذلك في تعليقه على كتاب «قواعد في علوم الحديث» للشيخ التهانوي، وقد فرغ من التعليق عليه -كما صرّح في خاتمته- في ربيع الآخر سنة ١٣٩٠ بالرياض، أي قبل رفعه لتقريره الجائر، أو على الأقل قبل ردي عليه في «مقدمة شرح الطحاوية» بسنة (٢).
_________
(١) وذلك في «كلماته» ص ٣٩ ويأتي ذكرها قريبًا.
(٢) يرى قارئ «التوضيح» أن الأستاذ زهير قد نقل كلام أبي غدة في الصفحة (٧) وصوره في الصفحة (١٧) ونصه: «فنبز ناصر الألباني في هذا ...» إلخ. بينما الموجود في النسخ التي اطلعت عليها موزعة ومجلدة من الكتاب «فنبز بعض الشانئين في هذا ...» إلخ.
وسبب ذلك أن أبا غدة وزع كمية من كتابه، ووصلت منه نسخة =
1 / 11
وقد رد عليه الأخ الفاضل الأستاذ زهير الشاويش في رسالة: «التوضيح» أحسن ردٍّ بما كشف عن افترائه واتهامه المذكور بالنقل عن كتبي بما يشهد لأبي حنيفة ﵀ بما يستحق من علم وفضل، وأبان بذلك أن «أبو غدة» هو الذي خان الأمانة العلمية حين نقل كلامي مبتورًا.
فليراجع من شاء البيان رسالته المذكورة وهي مطبوعة لوحدها ومع «شرح العقيدة الطحاوية» الطبعة الرابعة.
_________
= للأخ الأستاذ زهير الشاويش، من هذه النسخ. وكتب «التوضيح» ونقل، وصور، ونشر ...
ولما اطلع بعض الذين يتحرك أبو غدة بأمرهم على كلام أبي غدة أفهموه بأن هذا التصريح باتهام الألباني يعرضك للملاحقة القانونية لدى المحاكم الجزائية، ويحكم عليك بجرم الافتراء! ! فخاف أبو غدة وعمد إلى نزع الصفحات (٣٠٥) و(٣٠٦) و(٣٠٧) و(٣٠٨) وما يقابلها وهي الصفحات (٣١٧) و(٣١٨) و(٣١٩) و(٣٢٠) وأعاد طباعتها بعد حذف اسمي، ووضع مكانها (بعض الشانئين ..) غافلًا عن التعليق الذي بقي مطبوعًا وهو «(١) في «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» ٥: ٧٦».
وكل من يملك نسخة من كتاب «القواعد» يستطيع التأكد من ذلك إذا قابل ورق هذه الصفحات مع باقي ورق الكتاب، وكذلك إذا نظر كثرة الثقوب في خياطة الكتاب من جراء فك الخياطة السابقة وإعادة تخييطه وجمعه وتجليده من جديد! !
ومما يؤكد هذا سكوت «أبو غدة» المطبق عن إثارتها في «كلماته» ولو تمكن من جمع كل النسخ السابقة، لما تأخر عن اتهام صاحب «التوضيح» بشتى التهم كما هي عادة أبي غدة! !
1 / 12
٣ - تقريره الجائر الذي رفعه إلى بعض المسؤولين في المملكة العربية السعودية سنة ١٣٩١ أو قبلها بقليل، -ولغير المسؤولين أيضًا- حول تخريجي لـ «شرح العقيدة الطحاوية»، وذلك بعد اطلاعه هو عليه بنحو عشر سنوات، دون أن يحدثني مطلقًا بشيء مما في نفسه من النقد عليه، ونحن نلتقي معه في هذه السنوات عند أخينا الأستاذ زهير الشاويش، أو على الأقل أن يحدثه هو بذلك! ! وهو صاحب المكتب الإسلامي والناشر للكتاب (١).
كل هذه الأمور وغيرها مما كان يبلغني عنه جعلني أتيقّن أننا قد ابتلينا بعدو ماكر، يظهر خلاف ما يبطن، وأنه لا بد من كتابة ردٍّ عليه، يكشف عن جهله فيما أخذه علي في «تقريره الجائر» وعما ضمنه من الكذب والزور وقلب الحقائق وغير ذلك من الصفات التي لا تليق بمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر، فكتبت الرد وجعلته مقدمة للطبعة الرابعة لشرح العقيدة الطحاوية، ليكون القراء الكرام على علم بالرد على مآخذ أبي غدة عن كثب، ومعرفة بعدائه الشديد لهذه العقيدة المتستر بنقد مخرجها، والمتظاهر بتعظيم شارحها!
وبعد صدور هذه الطبعة أواخر سنة ١٣٩١ هـ حججت إلى بيت الله الحرام، فزرت الأستاذ الفاضل الدكتور محمد أمين المصري في بيته في مكة المكرمة، فحدثني بأن الشيخ أبو غدة عنده في غرفة أخرى مع بعض الأساتذة الحلبيين، فقلت له: هل لك أن تتفضّل فتعرض عليه رغبتي بلقائه ومناقشته حول ما جاء في «تقريره»؟ فوافق
_________
(١) انظر تقرير أبي غدة كاملًا في «التوضيح».
1 / 13
مسرورًا، ولكنه سرعان ما رجع آسفًا لأن أبو غدة رفض اللقاء على الرغم من استحسان الأساتذة لعرضي هذا كما حدثني به الدكتور المصري، وهو من أوثق الناس عندي.
بدء الرد على كلمات «أبو غدة» وأباطيله
وبعد ثلاث سنين تقريبًا من طبع الرد على التقرير الجائر طلع علينا الشيخ أبو غدة برسالته: «كلمات في كشف أباطيل وافتراءات» ذكر في آخرها أنه فرغ منها في ١٢/ ٤/ ١٣٩٤ بمدينة الرياض. وبعد الفراغ من قراءتها تبين لي أنها رد على جماعة ممن ردوا عليه وكشفوا للناس عن جهله بالسنة وعدائه الشديد لأهلها ولأئمتها، وفي مقدمتهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن قيم الجوزية، وداعية التوحيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى، الذين يعاديهم أبو غدة أشد العداء تبعًا لشيخه الكوثري الضال المضل، والذي هو من آثاره! ! وأنه ليس فيها شيء من العلم مطلقًا، بل هي أكاذيب وأباطيل حقًّا، ومن ذلك أنه أفهم القراء أن هناك جماعة من المؤلفين يعملون ضده متعاونين متواطئين «من أصحاب الأغراض السيئة والطوايا المنحرفة الكائدة ...» بزعمه وهذا كذب محض، ولبيان ذلك أقول:
إن الكتب أو الرسائل التي يرد أبو غدة على بعض ما جاء فيها ويوهم القراء أن الجماعة تعاونوا على تأليفها ونشرها هي:
١ - كتاب «التصوف بين الحق والخلق» للأستاذ محمد فهر الشقفة الطبعة الثانية مزيدة ومحققة، ومن المعلوم أن الذي قام على نشره والتعليق عليه إنما هو الأستاذ محمود استانبولي.
1 / 14
٢ - «السيف الصقيل* العبقري على أباطيل تلميذ الكوثري» وهو للأستاذ عبد العزيز الربيعان المدرس في المعهد الثانوي في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة والذي كان في كلية الشريعة بالرياض يوم أن كان أبو غدة مدرسًا فيها ودعاه للمناظرة معه ورفض.
٣ - مقالة نشرت في جريدة الدعوة عدد ٣٢٣.
٤ - مقدمتي على «شرح العقيدة الطحاوية».
٥ - «المقابلة بين الهدى والضلال» بقلم الشيخ عبد الرزاق حمزة ﵀، وتحقيق عبد الله بن صالح المدني الفقيه.
٦ - «التوضيح» للمقدمة المذكورة للأستاذ زهير الشاويش ولم يفصح أبو غدة عن اسمها ولعل السبب لأن المؤلف صديق أبي غدة القديم!
٧ - «حجة النبي ﷺ» تأليفي.
٨ - تعليقي على «مختصر مسلم» للمنذري.
٩ - «حجاب المرأة المسلمة» تأليفي.
١٠ - «بدعة التعصب المذهبي» للأخ الأستاذ محمد عيد عباسي.
فترى أبا غدة إذا رد على جملة ما في كتاب من هذه الكتب عزاها إلى جميع هؤلاء المؤلفين حتى الذي كتبه الشيخ عبد الرزاق ﵀ موهمًا أنهم كتبوا ذلك متواطئين متعاونين! مع أنني لم أشارك مطلقًا في تأليف شيء منها حتى ولا في «التوضيح» فكيف في كتاب الشيخ عبد الرزاق ﵀؟ !
_________
* في الطبعة الثانية: (المصقول)، والتصويب من الطبعة الأولى للكتاب. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
1 / 15
وبالتالي لم يشاركني أحد منهم في تأليف من تأليفاتي المذكورة، وأبو غدة على علم بذلك.
ومع ذلك فهو ينسب إليهم جميعًا كل عبارة يرد عليها، فهو يقول في الكتاب الأول ص (٥):
«طبعوه في دمشق في سنة ١٣٩٠ ودسوا فيه زورًا وبهتانًا كلامًا حولي ...» والحقيقة أن الذي طبعه إنما هو الأستاذ محمود استانبولي، والدس المزعوم إن ثبت فلا علاقة لنا به مطلقًا، لا سيما وأسلوبي في الكتابة يختلف عن أسلوبه كما هو معلوم لدى الجميع ...
1 / 16
تزوير على لسان الأستاذ الشقفة
ثم قال أبو غدة: «فما أن علم مؤلفه بذلك الدس حتى استشاط غضبه عليهم وغيظه منهم وبعث إلي برسالة منه بخطه يعبر ... ويستنكر ما فعلوه من تزوير عليه ... بما اقترفوه من الأكاذيب ...» إلخ.
أقول: فمن السهل على كل قارئ أن يكتشف هذا العزو الباطل الكاذب من أبي غدة إلى الجماعة وذلك بأن يرجع إلى نص كتاب الأستاذ فهر المصور من خطه بآخر كلمات «أبي غدة» لترى فيه ما يكذبه فقد جاء فيه:
«وقد كان هذا الأمر تزييدًا من الناشر محمود مهدي استانبولي دون علم مني ... فتوسمت فيه خيرًا عندما عرض علي إخراج كتابي ... فاستغل الناشر هذا التفويض ... وقد أنذرت الناشر».
ونحو ذلك في كتاب الأستاذ فهر الآخر المنشور صورته عقب الكتاب الأول. ومن ذلك يتبين أن أبا غدة لم يكذب على الجماعة فقط بنسبة الدس المزعوم إليهم جميعًا، لا إلى الناشر وحده كما هو صريح كلام الأستاذ فهر. بل وكذب أيضًا على الأستاذ نفسه في قوله السابق: «فما أن* علم مؤلفه
_________
* (أن) سقطت من الأصل المطبوع. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
1 / 17
بذلك الدس حتى استشاط غضبه عليهم ...» وما أظن إلا أن الأستاذ فهرًا قد استشاط غضبه فعلًا على أبي غدة لهذا العزو الباطل إليه! ولم يكتف أبو غدة بما سبق من الكذب بل أكده بقوله (ص ٦):
«وقد أذعنوا لطلب المؤلف، ووضعوا على الكتاب المذكور ..» والله يشهد أنه لا علم لنا بالوضع المذكور ولا بالإذعان المفترى إلا حينما قرأنا عبارة أبي غدة هذه، أفلا يحق لنا أن نقول: ألا ...
وكذلك قال فيما جاء في سائر الكتب المذكورة سابقًا: «نقلوا» و«قالوا» ونحو ذلك مما هو مخالف للواقع ويأتي ذكر أمثلة منه. فالناقل والقائل إنما هو المؤلف فما بال الآخرين وفيهم من انتقل إلى رحمة الله، وهذا لا علم له بما جد بعده من خصام بين أهل السنة أمثاله وبين أهل الأهواء والبدع أمثال تلميذ الكوثري، ولا علم للآخرين بما ألف هو ﵀ وبالطبع أيضًا بعد انتشار كتابه! فما أشد غفلة أبي غدة، بل وما أكذبه!
من أجل ذلك كله رأيت أن أحصر ردي على «أبي غدة» فيما نالني من بغيه وظلمه وافترائه، تاركًا للآخرين أن يردوا عليه إن شاؤوا لكي لا يطول الرد هذا فأهل الدار أدرى بما فيها، والله ﷿ يقول: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى • وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى • أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى • وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ فأقول وبالله وحده أستعين:
أولًا- من غرائب أبي غدة أنه لما تعرض للرد علي فيما قلته فيه بحق في مقدمة شرح الطحاوية «ردًّا على
1 / 18
تقريره الجائر» لم يزد على أن عدد الألفاظ التي وصفناه بها فيها -بحق- فقال (ص ١٠):
«فقد حشوها بالألفاظ التالية: «بالتعصب، وتعمد الكذب، ووو ... والجهل ووو والتقليد ... والنفاق ... وبأني حنفي ... وبذم الشيوخ الأحناف وبأنهم على درجة بالغة من التعصب وأنهم يضمرون العداء الشديد لأهل الحديث ...» أقول ووجه الغرابة أنه حكى هذه الألفاظ التي وصفته بها دون أن يرد عليها بالحجة والبرهان مكتفيًا بقوله بأنها «افتراء صريح». مع العلم بأن هذه الألفاظ جاءت في تضاعيف ردي إليه، البالغ عدد صفحاته «٤٤» صفحة. فهذه الألفاظ التي سردها لا تبلغ صفحة واحدة منها فأين الرد على سائر الصفحات التي أدنته فيها بذلك كله، فهل يشك عاقل منصف حين يرى أبا غدة لم يكتب كلمة واحدة في الرد عليها. ليثبت بذلك براءته منها - أنه لو وجد سبيلًا إلى ذلك لما اكتفى بما أشرنا إليه من أقواله. ولا بأس من إعادة خلاصة ما كان أخذ علي وغمزني به في تقريره الجائر وردي عليه وما أدنته به في المقدمة.
خلاصة ما أخذه علي أبو غدة، وردي عليه وما أدنته به في «المقدمة»
١ - كان اتهمني بأن قولي في التخريج «صحيح أخرجه مسلم» أو «صحيح متفق عليه» إنما جاءت الصحة من حكمي له بالصحة وليس من حكم الإمام مسلم أو الشيخين، وما قلت فيه «رواه مسلم» أو «متفق عليه» ولم أصدره بقولي «صحيح» فمعنى ذلك عنده أنني متوقف فيه تحت المراجعة! وقال: فجاء بشيء لم يسبقه إليه المتقدمون والمتأخرون، فقلت له:
1 / 19
هذا تخرص واختلاق ... وفصلت القول في ذلك في أربع صفحات من المقدمة «١٧ - ٢٠» وبينت أنني كنت صرحت في مقدمة الطبعة الثالثة عن هدفي من هذا الاصطلاح، وأني مسبوق إلى هذا الاستعمال من الحافظ البغوي في «شرح السنة»، فأثبت بذلك تخرصه وجهله فبماذا أجاب عنه؟ إنه بدل أن يعترف بجهله واتهامه لأخيه المسلم بما ليس فيه -وهو على علم به- أصر على ذلك ولم يتراجع، بل لجأ إلى التعالي والتمسكن في رده بأنه بريء مظلوم أمام القراء الذين لا يعلم أكثرهم ما اجترحته يداه. فهل هذا هو صفة من يقول في أول رسالته: «وبعد فإن الله تعالى شرع لنا هذا الدين الحنيف ليكون حاجزًا للمؤمن به عن كل شر وسوء، وداعيًا إلى القيام بكل خير وفضيلة، وليتحقق المنتسب إليه بالخلق القويم والسلوك المستقيم فلا يقول إلا حقًّا ...» إلخ كلامه الذي يذكر آخره بالمثل السائر «رمتني بدائها وانسلت» لأنه يتهمنا فيه بالأكاذيب والاختلاقات وهو مصدرها ومنبعها وهذا هو المثال الأول أمامك.
فهل هذا الإصرار على الاتهام والتجاهل هو من الخلق القويم عند أبي غدة وهو يعلم قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ • كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾.
٢ - كما انتقدني على قولي في أثر ابن مسعود: «هلك من لم يكن له قلب يعرف به المعروف والمنكر»: «لا أعرفه» فقال عقبه ما نصه بالحرف الواحد: «فهل المراد من هذا أنه لا يعرف المعروف من المنكر (!) أو لا يعرف كلام عبد الله بن مسعود».
1 / 20