[16_2]
الرسائل والكتابة لا بد أن يتخير من أرفع طبقات الناس، وأهل المروءة والحشمة منهم، وزيادة العلم وعارضة البلاغة. وقال ابن سنان، منزلة الشاعر إذا زادت وتسامت لم ينل بها قدرا عاليا ولا ذكرا جميلا؛ والكاتب ينال بالكتابة الوزارة فما دونها من رتب الرياسة. قال: وصناعة تبلغ بها إلى الدرجة الرفيعة أشرف من صناعة لا توصل صاحبها إلى ذلك؛ وأن اكثر النظم إذا كشف لا يعبر عن جد، ولا يترجم عن حق، وإنما الحذق فيه الإفراط في الكذب، والغلو في المبالغة، وأكثر النثر شرح أمور متيقنة وأحوال مشاهدة، وما كثر فيه الجد والتحقيق أفضل مما كثر فيه المحال والتغرير.
هذا غاية ما يقال في كتاب الرسائل أو كتاب الدواوين، أما شرف الكتابة، والحاجة الحافزة إلى إتقانها في التأليف، فهو غني عن البيان بعد أن شاهدنا طبقات من المؤلفين كان من أعظم الدواعي لخلود تأليفهم إجادتهم الكتابة؛ ولا نذكر منهم إلا من وصلنا شيء مما كتبوه، كأبي يوسف صاحب أبي حنيفة، ومسلم صاحب الصحيح، وصالح بن جناح صاحب كتاب الأدب والمروءة، وابن حبان البستي وابن المدبر وابن جني وابن سلام وابن قتيبة والثعالبي والطبري والمسعودي والمقدسي والدينوري والبلاذري والمبرد وابن الداية وأبي بكر الصولي والقاضي والتنوخي وابن عبد ربه والمرزباني وأبن هلال العسكري وقدامة والباقلاني وأبي حسن الأشعري وعلي بن هندو ويحيى بن عدي وعبد القاهر الجرجاني وعلي بن عبد العزيز ومسكويه وابن حزم وأبي فرج الأصبهاني وابن زيدون والبكري وابن طفيل والغزالي والراغب والأصفهاني والماوردي والقالي وأضرابهم.
وما سلم من كتبهم شاهد أبد الدهر على تفوقهم في البيان، وكانوا نبوغهم فيما عانوا من الفنون، مضافا إلى براعتهم في الإنشاء، أعظم نعمة على الآداب العربية؛ وهؤلاء وضرباؤهم هم الذين رسخت بهم ملكة البيان العربي على مرور
পৃষ্ঠা ১৬