[14_2]
الجليلة، وتفخيم النعم الحادثة، والترغيب في الطاعة، والنهي عن المعصية، سبيلها أن تكون مشبعة فتملأ الصدور، وتأخذ بمجامع القلوب.
وجملة الأمر أن الكتاب في القرن الثاني والثالث جروا على سنة القدماء في الرشاقة والجزالة، وخالفوهم في الأسلوب والوضع، على مالا يعبث بمذاهب الكلام؛ فكان فيهم من يطيل ويسهب، وفيهم من يوجز ويقتضب، وفيهم من يبالغ في المعنى ويغلوا، وفيهم من يقتصد في اللفظ ولا يسرف، فأسلوب ابن المقفع، وسهل بن هرون، وعمرو بن مسعدة، والجاحظ، إيجاز وتطويل بحسب الحال، والجاحظ إلى البسط أقرب في الأحايين، لأنه يقرر أنظارا، ويضع تعاليم، ويفسر علما وأدبا، ويشرح معارف وحقائق، ويحاج ويجادل، فليس له غنى عن التوسع في فنون الكلام، وإذا أفاض فكلامه كلام أهل القرن الثاني والثالث؛ أما بلاغته فبلاغة أهل القرن الأول، لا سجع في كلامه إلا ما جاء عفوا، ولا تحسن الصنعة فيه إلا إذا كان في تجديد المعاني والتراكيب واستعمال الجزل من الألفاظ.
ونحن على حق إذا ادعينا، بعد الذي قدمنا، أن ملكة التطويل استحكمت أواخر القرن الثاني، بتكاثر عدد من نشأ من الفرس كتابا وخطباء ومؤلفين، أدمجوا فيما أنشئوا إسرافهم في التعظيم والتطويل، واشتد تمازج من كانوا من أصل عربي من الكتاب والمؤلفين والرواة بأهل فارس، حتى كادت دولة العباسيين تعد دولة فارسية لولا مكان الخليفة من العرب. وظهر الغلو في القول والإسراف في اللفظ، وتلوين المعاني وإبرازها في صور كثيرة، وتفنن بعض الكتابين في إرسال الكلام؛ وأوغلوا في الصنعة والتثقيف، حتى أوشك البيان أن يصاب بما يخرجه عن رونقه القديم، فنصح جعفر بن يحيى، وهو أمير من أمراء البيان قائلا: إن استطعتم أن تكون كتبكم توقيعات فافعلوا.
قال هذا في العهد الذي اخذ فيه الأعاجم يسطون على الأسلوب العربي على هذا
পৃষ্ঠা ১৪