2
به ماء، وانتهز أوديسيوس انشغالها عنه فابتعد عن الموقد؛ لأنه ظن أن المرأة قد ترى الندوب التي بقدميه الباقية ثمة من عضة خنزير بري كان قد بطش به في حداثته فتكشف ما حرص هو عليه من كتمان أمره، بيد أنها لمست الندبة
3
الكبرى في ساق سيدها إذ هي تغسلها، وكانت الظنون قد ساورتها لما سمعت من صوته، واستذكرت من صورته، فلما تحسست الندبة زاغ بصرها، وحملقت فجأة في وجه مولاها، وسقطت يداها من غير وعي فانقلب الطس النحاسي محدثا صوتا مرنا مدويا، وسال الماء، وانحبس الدمع والمنطق في عيني العجوز ولسانها، ثم عالجت المفاجأة السارة المحزنة في صدرها، وصرخت تقول: «أنت! هو أنت! والله إنك لأوديسيوس، لقد عرفتك؛ هذه هي الندبة التي أحدثها الخنزير بساقك! لقد لمستها بيدي.» وأهرعت العجوز مذهولة نحو بنلوب لتزف إليها البشرى الهائلة، ولكن مينرفا كانت أسبق منها، فقد سحرت عيني بنلوب وسمعها، وعجل أوديسيوس إلى العجوز فأطبق بكفه على فمها، وقال: «يوريكليا، اصمتي، أنا هو، ولكن اصمتي؛ إن كلمة واحدة منك تقضي علي، لقد غذوتني ونشأتني في حضنك صغيرا، فهل تكونين نكبتي وشاحذة سكيني كبيرا؟ وبعد أن وصلت إليكم بعد يأس وقنوط من عودتي! اصمتي، أنا هو، ولكن اصمتي، إن كلمة واحدة منك تقضي علي هنا، وإلا، فتالله لن أرحمك - ولو أنك مرضعي - يوم يجد الجد .»
وارتعدت يوريكليا، وقالت تجيبه: «أي بني، لم تكلمني هكذا؟ أتشك في ثباتي وحفاظي؟ اطمئن يا بني فسأكون أصمت من الحجر الصلد، وأستر لسرك من الحديد.» فحدجها أوديسيوس وقال: «اصمتي إذن ولا تفسدي تدبيرنا، ولنتوكل جميعا على الله.» وذهبت فأحضرت ماء آخر، وأخذت في غسل رجليه العظيمتين، فلما فرغت ضمختهما بأفخر الطيوب، ووقفت تقلب عينيها في مولاها بينما كان هو يربط لفائف على ندوب ساقيه، وأخذ أوديسيوس كرسيه، وجلس قريبا من الموقد تلقاء بنلوب التي شرعت تحدثه وتقول: «أيها الضيف، ما أرى بأسا في أن أسألك إذا كنت أبقى هنا مع ولدي أو أختار أحدا من أولئك الأمراء فيكون لي بعلا، على أن رؤيا رأيتها لا تزال تضطرب في خلدي ولا أعرف كيف أعبرها؛ ذلك أنني كنت أقتني عشرين أوزة بيضاء، وكنت أحبها وأرعاها بنفسي، فرأيت فيما يرى النائم نسرا قشعما انقض عليها من الجو، فافترسها جميعا بينما كانت تأكل طعامها من المعلق الذي أعددته لها، ولما رأى النسر شدة حزني والتياعي على أوزي وقف على نتوء قريب، ثم أنشأ يكلمني ويقول: لا تحزني يا ابنة إيكاريوس على الأوز؛ فإنه يمثل عشاقك الفساق. أما أنا فأمثل زوجك النازح الذي سيعود من سفره فجأة فيبطش بالطغمة العاتية التي استباحت قصره، وولغت كالكلاب في عرضه. ألا يا ابنة إيكاريوس اسعدي. واستيقظت من نومي مسبوهة، ونظرت إلى أوزي لأطمئن عليه فوجدته سالما، فهل تستطيع أن تعبر عن تلك الرؤيا أيها العزيز؟»
فقال أوديسيوس: «أيتها السيدة الفاضلة، لقد فسر لك الرؤيا زوجك بلسانه، وهي لا تعني غير ما قال؛ إنه قادم وشيكا لا ريب، وإنه حامل إلى العشاق مناياهم.»
واثاقلت بنلوب ثم قالت: «أبدا، إن هي إلا أضغاث أحلام! إذا كان غد فإني ذاهبة إليهم فذاكرة لهم شرطا إن استطاعوه نالني أقواهم، فذهبت من فوري إلى بيته، وتركت كل هذا القصر الذي دخلته زوجة لخير زوج؛ ليكون حلما جميلا يزخرفه لي الماضي؛ وذلك أنني شارطة عليهم أن يحملوا قوس أوديسيوس بها غرضا يخترق السهم إليه اثني عشر «دنجلا»
4
فإن أصابه أحدهم فإني له.»
وهش أوديسيوس وأيد فكرتها: «لأن واحدا منهم لن يستطيع أن يوتر قوس أوديسيوس قبل أن يحضر أوديسيوس فيحطمهم جميعا.» وأشارت بنلوب إلى خدمها فأعددن لأوديسيوس متكأ وفراشا وثيرا، وذهبت بنلوب لتذرف في مخدعها دموعا من بلور.
অজানা পৃষ্ঠা